والمؤمن يقول للكافر : إركع لكي تفهم ، ويجيب الكافر : لن أركع حتى أفهم ، والركوع صلاة ، والصلاة عبادة ، والعبادة أخلاق ، والأخلاق إلهية ودليلها الضمير ، فالرد على فرعون لا يكون من طبيعة ما سأل ، بل يكون في امتثال أوامر الله ، أي اتباع الطريق الأخلاقي حتى يفهم الإنسان ، قال سبحانه : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)) [الحجر : ٩٩].
٥٧ ، ٦٠ ـ (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ (٥٨) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (٥٩) وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠))
[غافر : ٥٧ ، ٦٠]
السموات والأرض إشارتان إلى الظاهر والباطن من الوجود ، وفي اللغة الأرض كل شيء يسفل ويقابل السماء ، ويقال لأعلى الفرس سماء ولقوائمه أرض كما قال الشاعر :
وأحمر كالديباج أما سماؤه |
|
فريا وأما أرضه فحول |
وعلى هذا فالإشارة إلى الجسم الكلي الذي تحدثنا عنه ، أو العالم المادي نفسه بدآ من تكثف الأجرام إلى خلق الجراثيم ، وتقول الآية إن هذا العالم أكبر من خلق الإنسان ، إذ الإنسان مدرج في هذا العالم ، ولهذا قلنا فيه إنه الجسم الجزئي والعقل الجزئي ، ونضيف وله الوجود الجزئي ، وما هذا الوعي المسمى الأنا سوى وعي حسي جعله الله محل نشاط الدماغ ليكون وسيلة اتصال بين عالم المحسوس وعالم المعقول ، فلولا خلق العالم ما خلق الإنسان ، ولو لا العالم الحسي ما كان الإنسان ، وبزوال العالم يزول الإنسان ، وإذا مرض الجسم مرضت النفس معه ، وإن أصاب مركز من مراكز الدماغ وهن أو تلف وهن الإنسان وفقد ما كان يملكه ، فوجود الإنسان مرتبط بوجود العالم ، باق ببقائه ، زائل بزواله ، ولا يبقى من الإنسان إلا هذه اللطيفة المسماة الذات الناطقة الكلية التي تحل وتعمل ، ثم تفارق المحل إلى محل آخر لتعمل فيه ، ولهذا دعيت الأديان السماوية منها والروحية إلى ضرورة تنبيه الإنسان على واقعه وعلى ضرورة التحاقه بربه الروح الكلي ، أي عودته شعاعا إلى الشمس التي كان صدر منها حيث يذوب الجزئي في الكلي ، ولا يبقى إلا الله الواحد القهار.
والأعمى من لا يرى الحق ظاهرا في هذا الوجود العظيم ، والبصير من يراه ، والبصير من البصيرة ، فمن كان ذا بصيرة. منورة رأى الله ظاهرا في المظاهر ، ومن لا يرى الله مسيء إلى ربه وإلى الناس وإلى نفسه ، لأنه لا نجاة له من شرك نفسه والنفس شرك عظيم ، وهو مسيء إلى الآخرين لأن نفسه تحجزه عن الأخرين ، ولهذا قال سبحانه في موضع آخر : (وَمَنْ يُوقَ