سر جعل الإنسان خليفة بعد إجابة المضطر وكشف السوء ، إذ الأمر متعلق
بالتعليم ، والعلم شرف الإنسان وزينته في الحياة والآخرة ، ومتى حصله الإنسان
ظاهرا وباطنا صار خليفة ، إذ الخليفة استخلاف إلهي حيث يصبح الإنسان مرآة إلهية
تعكس سنا الأنوار الإلهية ، وجوهر هذه الأنوار العلم.
٦٣ ـ (أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ
الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ
أَإِلهٌ مَعَ اللهِ تَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣))
[النمل : ٦٣]
ظلمات البر
كثافة العالم المادي وحجبه ، وإذا تذكرنا إنسان العصر الحجري والكهوف أدركنا كم
كانت المسافة طويلة تلك التي قطعها الإنسان في رحلته من الكهف والغابة إلى الصعود
إلى القمر ، وليس إلا الله من يهدي الإنسان في رحلته الحياتية هذه ، إذ سبق أن
قلنا إن نشاط العقل إلهي.
وظلمات البحر
هجرة السالكين إلى الله والمهاجرين ، والطريق وعرة صعبة المسالك محفوفة بالمخاطر ،
وليس إلا الله من يهدي عبده في هجرته من مكة الصدر حيث المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى حيث الروح الأمين ، ثم في عروجه إلى السموات حتى يبلغ سدرة المنتهى منتهى
شجرة المعقولات الإبراهيمية الجامعة.
٦٤ ـ (أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ
يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللهِ
قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦٤))
[النمل : ٦٤]
بدء الخلق ثم
إعادته عملية فيزيولوجية يتم فيها طبع الخلايا العصبية بصور المعقولات منذ بداية
تفتح الوعي ، بل إن الله ليطبع في هذه الخلايا صور الخير والشر ، فيكون الناس
أخيارا وأشرارا ، وهذا قدرهم مذ يكونون أجنة في بطون أمهاتهم ، والملاحظ أن
الأطفال ليسوا سواسية في البراءة ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم قال عن الغلام الذي قتله العبد الصالح إنه طبع كافرا ،
وقد يكون طفل غليظ القلب فظا سليط اللسان دون أن يعي بعد ما الغلظة والفظاظة وطول
اللسان.
وإعادة الخلق
استمرار طبع الصور في الخلايا وحفظ المعلومات في الذاكرة ، إذ من المعلوم أن
الخلايا العصبية لها عمر محدود ، وهي تموت يوما بعد يوم ، ولا يعرف حتى الآن كيف
تستمر الذاكرة في حفظ المعلومات طوال الحياة ، ولا السر في قول المثل العلم في
الصغر كالنقش في الحجر ، ولا السبب الذي يجعل المعلومات التي تعلمها في صغره تبقى
مدة أطول من المعلومات التي تعلمها في كبره ، وإذا كان للأمر علاقة بعمر الذاكرة
نفسها فكيف