وقوله : (إِلَّا امْرَأَتَهُ) يعني النفس الحيوانية ، صحيح أن هذه النفس خالدة متجددة
على مستوى الجمع ، أي كونها صادرة عن النفس الكلية ، ولكنها على مستوى الأجزاء هي
فانية ، وهكذا يصبح ظاهر لوط فانيا كتعين جسدي مع الحواس ، بينما باطنه بالله
فيدخل في رحمته ويدخل في الصالحين.
٥٨ ـ (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ
مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨))
[النمل : ٥٨]
المطر هنا
إشارة إلى الذر المادي ، والعلوم الحديثة توصلت إلى اكتشاف أن كل الظواهر قائمة
بالذرات المادية ، ونشاط هذه الذرات هو سبب نشاط العالم الظاهري بما في ذلك
الإنسان ، وتفكك هذه الذرات لسبب ما هو تفكك العالم الظاهري وانحلاله بما في ذلك
الإنسان.
٥٩ ـ (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى
عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩))
[النمل : ٥٩]
المصطفون
الأعيان الثابتة من الكليات الفاعلات وممثليهم من الأنبياء والأولياء أي التعينات
المصطفاة ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : (أنا حي في قبري) ، وقال الجنيد : العارفون لا يموتون
بل ينتقلون من دار إلى دار ، فتعين الاسم العليم المستمر سبب خلوده.
٦٠ ـ (أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ
وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ
ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ
يَعْدِلُونَ (٦٠))
[النمل : ٦٠]
قضية الفلسفة
الأولى البداية ، ففريق من الفلاسفة أرجعوا الوجود إلى واحد واجب الوجود ، ومن هذا
الواحد بدؤوا مسيرتهم الفلسفية وبنوا بنيانهم وهؤلاء هم الفلاسفة المؤمنون ، وفريق
لم يقروا وجود هذا الواحد متسائلين من أين جاء هذا الواحد ، ولماذا لا يكون لهذا
الواحد واحد قبله ، ولم يجد هؤلاء سوى الطبيعة مبدأ أول فبنوا بنيانهم على أساس
الإيمان بالطبيعة خالقا ، والإنسان أمام أمرين ، فإما أن يؤمن وإما أن لا يؤمن ،
وإذا لم يؤمن وجد أمامه الطبيعة التي هي مادة ذات قوانين ومظاهر ، أي أن الماديين
آمنوا بالمادة مبدأ أول ، ثم وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الاعتراف بأن لهذه المادة
نوعا من العقل ، ولهذا تساءل العلامة مصطفى محمود : إذا كان للطبيعة قوانينها فمن
الذي وضع هذه القوانين؟
ولقد سبق أن
تحدثنا عن أن الإنسان عقل ، وأن العقل فاعل ، سواء أكان العقل ماديا أو غير مادي ،
ومع هذا فنحن مضطرون إلى الاعتراف بأن العقل فاعل وقادر على التحريك ، وهكذا نعود
إلى النقطة التي وقف العلماء الماديون إزاءها حائرين ألا وهي كيف يحرك العقل
المادة؟