محمول كالورق الأبيض لما عرف العقل اللون الأبيض ولا تصوره ، فالملائكة
باعتبارهم معقولات مستندة إلى المحسوسات ، تدعمها هي بالأعيان الثابتة أي الصفات ،
وتدعمها المحسوسات بالظهور في عالم العيان ، فالأمر ظاهر وباطن ، وما وجدت العلل
إلا لتؤثر في المحسوسات المعلولات والعكس بالعكس ، وسمى هيجل هذه العلاقة العلية
الدائرة ، ولهذا قيل في وصف الملائكة : إن عليهم عمائم بيض وصفر ، فالعمامة مالف
به الرأس ، والرأس محل الدماغ ، والدماغ سبب الفكر ، فالمعقول يمارس دوره في الفكر
بإحاطته به إحاطة العمامة بالرأس ، وإحاطته به هيمنته عليه تأثيرا وسلطانا ، ولهذا
كان من الخواطر الملكي ، والبياض رمز إلى نور المعقولات أو المعقولات الجمالية ،
فهي تمد الفكر بالصفات الجميلة ، ومنها الشجاعة الضرورية للقتال ، أما الصفرة فلأن
المعقول اختلط بالنفس المادية التي هي الوجه الباطن لعالم الحس ، فكانت الصفرة
التي هي لون وسط بين بياض المعقول وسواد كثافة المحسوس ، فعلى مستوى الروح هناك
مدد من المعقولات ، وعلى مستوى النفس هناك مدد آخر من المعقولات ، وكلاهما يشد أزر
القلب في معركته على مسرح عالم العيان.
١٢٦ ـ (وَما جَعَلَهُ اللهُ
إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ
مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦))
[آل عمران :
١٢٦]
البشرى الإمداد
، والحقيقة أن الإنسان ما تميز عن الحيوان إلا بعقله ، وعقله هو المدد الروحاني من
الفيض الوجودي الرحماني الذي ساعد الإنسان على بلوغ سماء الملائكة ، ولهذا تبع
الوصف بقوله بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله ، والمتفكر في
عجائب القلب كما قال الإمام الغزالي يجد أن المدد يتحقق حين يفرز الشجاع من الجبان
ويؤيد بمدد جواني نوراني يثبت القلب في وقت الشدة ، والمدد نفسه هو من عند الله ،
وإلا فكيف يفسر كون هذا الإنسان شجاعا وكون ذلك الإنسان جبانا ، وقد يكون الاثنان
أخوين لأب وأم واحدين ، منبتهما واحد ، ونشأتهما واحدة وتنشئتهما واحدة؟
١٢٧ ـ (لِيَقْطَعَ طَرَفاً
مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (١٢٧))
[آل عمران :
١٢٧]
تفسر الآية كيف
يتحقق النصر ، وذلك بعد أن يثبت الله القلب بالمدد النوراني ، في حين يدع القلوب
الأخرى بلا مدد فتكون النتيجة هزيمة الكافرين في معركتي الخواطر والظاهر.
١٢٨ ـ (لَيْسَ لَكَ مِنَ
الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ
ظالِمُونَ (١٢٨))
[آل عمران :
١٢٨]
ليس للنبي
كمظهر إلا تقبل المشيئة الإلهية ، فالحق هو الفاعل على انفراد ، حر يفعل ما يشاء ،
ولا يحد مشيئته شيء وهو الذي يتوب على الناس أو يعذبهم ، فالأمر لله من قبل ومن
بعد.