والولادة خروج شيء من شيء ، ولما كان الأمر باطنيا فالولادة خروج الحقيقة الذاتية من باطن النفس ، ورمز إليها بالمسيح أي الممسوح بالنور.
٤٦ ـ (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ (٤٦))
[آل عمران : ٤٦]
اختلفوا في تكليم المسيح الناس ففي الآية هو يكلمهم في المهد وكهلا ، وللأمر لطيفة أيضا ، فالتكلم حادث في المهد باعتبار الحقيقة الذاتية تولد من باطن النفس ، فهي هنا بحكم وجودها في مهد ، أما التكليم في الكهولة فلأن الحقيقة قديمة قدم الخالق ، فمثلها مثل الكهولة التي هي وسط بين الرجولة والكبر ، ومثلها أيضا كمثل صلاة العصر التي هي صلاة وسطى بين ما يسبقها من صلوات النهار وبين ما يتبعها من صلوات الليل ، فالكهولة رمز للبرزخ بين المادة والروح.
٤٧ ـ (قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللهُ يَخْلُقُ ما يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧))
[آل عمران : ٤٧]
سؤال مريم وعجبها كمثل سؤال النفس عند التبشير أن كيف يتم الأمر ، أي التعليم ، والنفس قد استوفت حظها من التعلم في الحياة الحسية ، وأخذ الفكر كل ما يمكنه أخذه من المعقولات المجردة ، وإلى هذا أشير في الآية بأن مريم لم يمسسها بشر ، أي أن النفس في حال الولادة الذاتية لا تمسسها البشرية أي ماله علاقة بعالم المادة ، وهذا في حال التعلم والتكليم من العجب بل من المحال ، فالإنسان إما أن يتعلم من طريق النظر إلى الخارج ، وإما أن يتعلم عن طريق التفكر أي النظر إلى الداخل بمساعدة الحواس الباطنة كالتخيل والذاكرة ... أما أن يحصل التعلم من غير هذا الطريق ولا ذاك فمستحيل ، وكان جواب الله أنه يخلق ما يشاء ، أي يفعل ما يشاء ، وإذا قضي الأمر الإلهي بالتعلم العرفاني قيل له كن فكان.
٤٨ ـ (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨))
[آل عمران : ٤٨]
المسيح هنا إشارة إلى القلب الذي تنور بأنوار الروح ، فهو تعين مثل تعين أمه مريم ، وتعليمه تعلم القلب من قبل الروح الفاعل بالوحي والإلهام.
٤٩ ـ (وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩))
[آل عمران : ٤٩]
بنو إسرائيل رمز أهل العالم الظاهري ، أو مظاهر الاسم الظاهر ، وما فعله المسيح هو