فهذه المواقف من المرأة التي وقفتها الأنبياء هي من وحي العليم الحكيم الذي يحكم بما هو أصلح للإنسان ، وقد ورد في القرآن الكثير من الآيات عن كيفية معاملة النساء إذا خيف نشوزهن مثل الضرب والهجر في المضاجع ثم أخيرا الطلاق ، وإبراهيم لم يأمر ولده بأن يضرب امرأته أو أن يهجرها في المضجع ، بل أمره بطلاقها لما علم من مبلغ سوئها ، ولو لم يمتثل إسماعيل أمر أبيه لكان من بعض عواقب احتفاظه بامرأته أن يولد له مثلا ولد كافر كما حدث من قبل لنوح.
وقوله : (وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) إشارة إلى أن الفكر وروح الفكر ، أو فكر الفكر ، أو جوهر الفكر جميعا لله ، لأن الإنسان مخلوق على صورة الرحمن أنى كان ومهما فعل ، وخلقه لحكمة حتى وإن أتى الشر ، والله القائل : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٢١٦].
وقوله : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ،) إشارة إلى أن الفكر العادي يستفيد علومه من العالمين الخارجي والداخلي ، فالجبال إشارة إلى العالم المادي ، وتسبيح الجبال كون العالم المادي من خلق الله ، والله هو الذي استودعه نظامه وقوانينه ، والطير إشارة إلى العالم الداخلي ، وهي هنا الخواطر الصالحة.
٨٠ ـ (وَعَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ (٨٠))
[الأنبياء : ٨٠]
الصنعة الدرع ، وداود أول من صنعها ، وكان الدرع قبلها صفائح ... والإشارة إلى أن الفكر الذي يجمع الجزئيات من عالم المحسوسات ، إذ كل محسوس جزء وجزيء ، ثم ينظمها في معقولات بالتجريد والاستنباط ، فلو لا الفكر ما كان للمعقولات الإلهية أن تظهر ، وبالإنسان وحده تم إظهار هذه المعقولات فظهرت من ثم صفات الله.
٨١ ـ (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ (٨١))
[الأنبياء : ٨١]
الريح ريح اليقين ، فلقد قلنا إن الله رفع سليمان على أبيه درجة ، هي الوحي اللدني ، واليقين هو الوحي اللدني ، إذ اليقين علم إلهي صرف يستخدم المعقولات المحصلة لدى الفكر من قبل العالم الخارجي استخداما يتفق مع المهمة المكلف بأدائها.
٨٢ ـ (وَمِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ (٨٢))
[الأنبياء : ٨٢]
الشياطين إشارة إلى المعقولات نفسها وقد وضعت تحت تصرف الروح الكلي ، ولهذا جاء