الفلاسفة الإنسان : بأنه حيوان ناطق ، فما ميز الإنسان عن الحيوان إلا بنفسه الناطقة الشريفة.
٩٠ ـ (وَلَقَدْ قالَ لَهُمْ هارُونُ مِنْ قَبْلُ يا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي (٩٠))
[طه : ٩٠]
فتن الإنسان بنفسه الحيوانية ، ونسي نفسه الشريفة الناطقة وأصلها ، ولهذا قال هارون عليهالسلام لقومه : (إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمنُ ،) فذكر هارون بالرحمن الذي هو حقيقة النفس الناطقة وملهمها وهي المخلوقة على صورته ومثاله.
٩١ ـ (قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى (٩١))
[طه : ٩١]
ترفض الحواس الإنصياع وسماع صوت الهدى ، وتظل متوجهة إلى العالم الخارجي تأخذ عنه
٩٢ ، ٩٦ ـ (قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا (٩٢) أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي (٩٣) قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي (٩٤) قالَ فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُّ (٩٥) قالَ بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُها وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي (٩٦))
[طه : ٩٢ ، ٩٦]
الحوار إشارة إلى الحوار بين شطري الذات حول حقيقة الوضع الإنساني ، فشطر من الذات يرغب عن عالم الروح ، وشطرها الآخر يرغب فيه ، ولقد جرى الحوار في الآيات بين الشطرين فكان دفاع الشطر الآخر أنه لم يسترسل إلى الحواس ولم يجبها إلى طلبها في أخذ العلم من العالم الحسي إلا لكي لا يحدث الانشطار ذاته في الذات ، علما أن الانشطار موجود ، وإن كان الإنسان لا يعيه ولا يدركه ، فمن منا لا يحدث نفسه ، أو تحدثه نفسه؟ وكم عدد الذين يفكرون بصوت عال فيسألون أنفسهم ، ويجيبون هم أنفسهم عما يسألون؟ وإلى هذه الحقيقة الفكرية أشارت الآية قائلة على لسان هارون شقيق موسى : (يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي ،) ولورود اللحية والرأس في الآية نكتة ، ذلك أن اللحية رمز القوة ، والرأس محل الدماغ ، أي مركز عمل الأنا المادية ، فما يسأله شطر الذات الشطر الآخر ألا يأخذه أخذ عزيز مقتدر ، كما يقع لأصحاب الخلوة الذين يخرجون منها وقد خرجوا عن أنيتهم ، وتركوها هناك في الخلوة رهينة الحبس الإلهي ، فالقلب بين الشطرين ، ولهذا ركزت الفلاسفة الموحدون فلسفتهم في الموضوع ونقيض الموضوع ثم النتيجة كما فعل هيغل ، والإنسان ما ميز عن الحيوان إلا بهذا الانشطار الذي أحدث لحكمة ، كما أن البراكين والزلازل أحدثت لحكمة أيضا وهي تجديد تربة الأرض ومدها بمواد جديدة وفي عالم النباتات يقع شيء مماثل ، فقد