صار الكنز تاجا مرصعا بكرم الجواهر من الأسماء والصفات يضعه المليك على رأسه قائلا لعباده : أنظروا بهائي وجمالي وعزتي ، سبحاني ما أعظم شأني.
٤١ ، ٤٣ ـ (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا (٤١) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً (٤٢) يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٣))
[مريم : ٤١ ، ٤٣]
قلنا : إبراهيم الإنسان الفرد الذي صار أمة بعلمه التوحيدي ، فحقق من ثم ماهية النوع الإنساني ، وصار الإنسان بمعنى الجمع ، ووصف إبراهيم بالصديق ، ونحن نعلم مكانة أبي بكر الصديق في التاريخ الإسلامي ، والذي قال فيه عليهالسلام : (لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا) ، والصديقية مقام المشاهدة ، ولهذا يروى عن الصديق رضي الله عنه أنه قال : (ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله) ، فالصديق بلغ رتبة المكاشفة حيث لا يعود المكاشف يرى في الوجود إلا الله.
ولقد أوردنا هذا الوصف في أبي بكر نظرا إلى أن الله سبحانه وصف إبراهيم عليهالسلام بأنه كان صديقا نبيا ، وتبع هذا أن سأل إبراهيم أباه لم يعبد ما لم يسمع ولا يبصر ولا يغني شيئا ، والمعنى أن المكاشف المشاهد قد علم من السامع الحقيقي والمبصر الحقيقي والمجيب المغني الحقيقي ، فلئن كلم المشاهد الناس علم يقينا أنه يكلم الله في الوقت نفسه ، ولئن سأل الناس فهو يسأل الله أيضا ، إذ الناس مظاهر أسماء الله ... أما أن يعتمد الإنسان الناس دون ذكر الله والغفلة عن دوره في الوجود فهذا هو الشرك العظيم ، وهذا ما ذكره إبراهيم لأبيه لما قال له : (إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا).
والملاحظ أن إبراهيم يكلم أباه معلنا أنه هو الذي علم فهو المعلم ، وأن أباه لم يعلم وهو الجاهل ، ففي مجال العلم الإلهي قد يتقدم الولد أباه والصغير الكبير ، فالأمر ليس محصورا بالدائرة الاجتماعية والسنين وتجاريب السنين ، ويذكر أن ابن عربي رأى في رحلاته جلال الدين الرومي وهو غلام حدث السن يتبع أباه فعلم مكانته فراسة وقال : عجبت لبحر يتبع بحيرة.
٤٤ ـ (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلرَّحْمنِ عَصِيًّا (٤٤))
[مريم : ٤٤]
قلنا : الشيطان من شطن أي بعد ، وقلنا : مادام الإنسان أسير أناه وخواطره فهو بالتالي أسير اسمه ، والاسم جزء لا كل ، وبالتالي فإن أسير الاسم بعيد عن الله ، ولهذا دعا الرسول إلى تعلم اليقين لكي يخرج الأسير من سجن الأنية والاسم ويطير في سماء الله.