ربها لها وهي في كهف البدن من رحمته أي من نوره الشريف الفعال.
وفي قوله : (مِرْفَقاً) لطيفة ، ذلك أن المرفق ما يرتفق به الإنسان من غذاء وعشاء ، أي أن الجوارح تعتمد في غذائها على الله ، وهذا ما يدعونه في علم الفيزيولوجيا العلم اللاإرادي أو اللاشعوري وكثيرة هي الأعمال اللاإرادية في الإنسان كهضم الطعام وطرح الفضلات وتنقية الدم من السموم وتجدد الخلايا وترميم الجسد وطلب الراحة بعد التعب والنوم ... وهذه كلها لا يد للإنسان فيها ، ولا سلطان له عليها ، بل الله هو السلطان ، ولهذا قال صوفي لعالم محاورا أنت أكل الخبز لا تعرفه ، أنت لا تعرف كيف تبول ، وعني الصوفي أن الإنسان يجهل سبب اعتماده الخبز في طعامه ، وهو يجهل ميكانيكية التبول ، أي كيف يأمر العقل المثانة بالانفتاح ليخرج منها البول.
١٧ ـ (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً (١٧))
[الكهف : ١٧]
من المعلوم أن للجسد حرارته الثابتة التي إذا زادت نصف درجة دل ذلك على وجود مرض في الجسم ، وكذلك إن نقصت الحرارة نصف درجة أيضا ، والجسم محفوظ بالبشرة حفظا ما تزال أعناق العلماء له خاضعين ، ومن المعروف كيف يرتدي الجراحون الملابس الخاصة ، ويضعون الكمامات على أنوفهم وأفواههم ، ويخشون أشد الخشية الجراثيم من أن تتسلل إلى داخل الجسم عند ما يشقون الجلد لإجراء جراحة.
وللجسد منافذ إلى الخارج عبر مسام الجلد والشعر ، وهو يوازن بين حرارته وحرارة الجو بأساليب أهمها التعرق ، ولو لا التعرق لما استطاع الإنسان أن يعيش ، والمهم القول إن الله حفظ الجسد حفظا عجيبا ، علما أن الإنسان والحيوان يسعيان في الأرض في الحر والقر وفي كل الظروف ، فثمة أساليب شتى تحفظ الجسم وآلاته من تقلبات الطقس والجراثيم الموجودة في الهواء والماء والتراب.
١٨ ـ (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (١٨))
[الكهف : ١٨]
وصف الفتية بالأيقاظ وهم رقود إشارة إلى قيام الممكن الوجود بالواجب الوجود ، فعالم الإمكان هاجع وإن بدا يقظان ، واليقظان الحقيقي هو الحي الحقيقي وهو الله ، ولهذا تابعت الآية قائلة : (وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ ،) والتقلب نفسه إشارة إلى القلب الذي هو