٨٣ ، ٨٤ ـ (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً (٨٣) قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً (٨٤))
[الإسراء : ٨٣ ، ٨٤]
الشاكلة العين ، والعين الصفة ، والإنسان يتكلم بعد سماع صوت صفته ، فهو واسطته ، ولقد وصفناه في كتابنا الإنسان الكبير : بأنه بوق ، فالعمل على الشاكلة السير على الصراط الذي هو قانون الوجود القديم لا سبيل إلى تبديله ، وفي هذا المعنى قال سبحانه : (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [هود : الأية ٥٦].
٨٥ ـ (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥))
[الإسراء : ٨٥]
ليس للإنسان من علم الروح إلا ما يعلمه الروح إياه ، فالمسألة أشبه بطالب وأستاذ ، فالطالب يرى أستاذه ، ويسمع ما يقول ويفهم عنه ، لكن أنى للطالب أن يفهم كل ما يعلمه الأستاذ؟ فما نحن إلا مظاهر نستمع وحي الاسم الظاهر ، والظاهر هو الروح ، فلا سبيل للإحاطة بكنه علم الروح إلا بما يسمح هو بتعلمه ، والله سبحانه حد للإنسان ما يتعلمه ، وما حده وصفه بأنه قليل ، ولا سبيل إلى خرق السدود المضروبة دون غيب الروح ، لأننا نحن أدوات الروح نفسه فلا خروج لنا عليه ولا إحاطة لنا بجوهره ، وقال صلىاللهعليهوسلم : (لا تفكروا في ذات الله) ، والروح أمر من الله وهو حكمته وقدرته ، وقال القشيري مفسرا قوله تعالى : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) [غافر : ١٥] ، هذه الروح هي روح الرسالة ، وروح النبوة ، وروح الولاية ، وروح المعرفة.
٨٦ ـ (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦)) [الإسراء : ٨٦]
حدث للنبي صلىاللهعليهوسلم أن تلبث الوحي ، أى تأخر عن النزول ، كما حدث له في قضية حديث الإفك المشهورة ثم جاءه ، والمهم القول إن مدد النبي هو من روحه ، أي من ذاته أو ذات ذاته ، فلا مدد غير هذا المدد ، ولا علم يستمد من غير هذه العين ، وإذا جفت العين فالنبي صلىاللهعليهوسلم بشر مثل بقية البشر لا حول له ولا طول ولا علم أيضا ، فهذه الصلة أشبه بصلة المصباح بالتيار الكهربائي فلا ضوء من غير كهرباء ، والنبي من دون التأييد الإلهي لا يستطيع شيئا ، وهو نبي بالتأكيد.
٨٧ ـ (إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧))
[الإسراء : ٨٧]
يذكر الحق نبيه بالرحمة التي خصه بها هو ومن معه من المؤمنين ، ويذكره بفضله عليه ،