٦١ ، ٦٤ ـ (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ قالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً (٦١) قالَ أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً (٦٢) قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً (٦٣) وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (٦٤))
[الإسراء : ٦١ ، ٦٤]
تستمر الآيات في الضرب على وتر التناقض ، وهي تفسر عملية التناقض نفسها ، وفي كتابنا النصوص في مصطلحات التصرف عرّفنا إبليس قائلين إبليس صفة الحق التي قامت في وجه الحق ظهورا لصفته الثانية ، والقيام أحدي ، وإلا فمن هو إبليس ، وكان رئيسا للملائكة ، أي قائما على المعقولات المجردة التي كانت طوع أمره.
ولهذا قلنا من بعد كما قالت الصوفية من قبل : إن عدم سجود إبليس أمر أملته الضرورة الوجودية التي اعتمدت التناقض مبدأ للحياة ، فإبليس شعار التناقض ، وبواسطته تم إحداث الشق في الذات التي انشطرت شطرين سمي أحدهما نفسا ، ودعاها ربها أمارة ، ودعتها الفلاسفة حيوانية وترابية ومادية.
وفي الآية الواحدة والستين كان اعتراض إبليس مبنيا على أساس أن آدم مخلوق من طين ، أي من العناصر الأرضية ، والاعتراض قوي لأن إبليس رئيس المعقولات كما ذكرنا ، والمعقول هو دائما أشرف من المحسوس ، ونجد في الآية الثانية والستين كيف سلط إبليس على فريق من ذرية آدم الذين كتب عليهم أن يكونوا من أصحاب الشقاوة أزلا ، وقال المفسرون إن الأسماء المزدوجة كالهادي المضل تقتضي وجود مهدين وضالين وإلا لما تحقق وجود الاسم نفسه ، فعلى هذا الأساس انقسم الناس فريقين فريقا هم أصحاب إبليس ، وفريقا هم أصحاب الهدى ، فلا إبليس ولا غيره من أتباعه خرجوا على الله بغير مشيئة ، ودعيت العملية الإرادة الكونية التي اقتضت بدورها وجود الإرادة الدينية الممثلة للشطر الثاني من المعادلة والمتعلقة بأصحاب الهدى المهديين ، وهذه الإرادة هي التي تحدثت عنها الآية الخامسة والستون.
٦٥ ـ (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً (٦٥))
[الإسراء : ٦٥]
كل إنسان يعيش حوارا ذاتيا دائما ، وهو يتخذ قرارا ما في موقف ما من قضية ما ، وعلى هذا الأساس من الاختيار الحر بنى الفيلسوف الوجودي سارتر فلسفته قائلا : إن كل ما في الوجود موجود بذاته إلا الإنسان فهو موجود لذاته ، فالإنسان على هذا حر يعيش حريته ويتخذ