وعليه فالصفات الإنسانية هي استعارة ولهذا قلنا بالعارية ، وتكون الصفات من ثم إلهية باعتباره سبحانه واهب الصفات وخالقها لا شريك له في الملك ، وقال السهروردي : لله سبحانه من كل متقابلين اثنين أشرفهما ، قاصدا التأدب مع الله.
٥٠ ـ (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٥٠))
[النحل : ٥٠]
قلنا : الملائكة المعقولات ، وكل معقول لله لأنه هو أصلا عقل كامل ونور كامل ، واختلف في الفلسفة في أن يكون المعقول هو الأصل كما قال أفلاطون ولا يبنتز وكانط وهيغل وهؤلاء يمثلون المثالية الفلسفية ... أو أن يكون المحسوس هو الأساس ويستخلص منه المعقول كما قال فلاسفة المادية وعلى رأسهم فلاسفة الوجودية الملحدة والماركسية ، ويرجع هذا الخلاف إلى زمن الخلاف بين المؤمنين والمشركين والكافرين منذ بداية الإنسانية.
٥١ ، ٥٢ ـ (وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ (٥٢))
[النحل : ٥١ ، ٥٢]
الرد على الثنوية الفارسية التي كانت منتشرة في الشرق والتي كانت تقول بوجود إلهين إله الظلمة وإله النور ، وذلك لتفسير ظاهرة التناقض في الوجود والخير والشر ، وتؤكد أحاديث رسول الله أن ليس في الوجود إلا الملك الإلهي ، وأن الخير والشر له كما جاء في الحديث الشريف : (أعوذ بعفوك من عقابك ، وبمرضاتك من غضبك ، وأعوذ بك منك) ، فتحت شعار أعوذ بك منك ، يكمن سر التوحيد الإسلامي الذي كان الرسول صلىاللهعليهوسلم معلمه الأعظم.
٥٣ ، ٥٥ ـ (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (٥٣) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٥٤) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٥٥))
[النحل : ٥٣ ، ٥٥]
النعمة الخير ، فكل نعمة تكون بالإنسان فهي من الله كالصحة والقوة والجمال والإيمان والكرم والحلم ... فلو لا الله لساوى الإنسان البهائم ، بل لسفل البهيمة ، لأن للبهيمة غريزتها ونظامها وفطرتها لا تخرج عنها قيد شعرة ، في حين إذا انحط الإنسان أتى بالعجائب من الشرور والفساد ، قال جلال الدين الرومي : العقل الذي يفر من عقل العقول ينتقل من مرتبة العقل إلى مرتبة الحيوان.
وقوله : (إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ) إشارة إلى أن الإنسان سماع الخواطر وأسير الخواطر ، والخواطر في القبضة ، يظل قويا مؤمنا بنفسه مادام في نعمة ، فإذا أصابته مصيبة ارتد إلى خاطره أيضا ، فرده خاطره إلى الله باعتبار الله هو الموحي والملهم ، فتجد المريض والضعيف