هلاك الظالمين يتم بفعل نور الكشف اليقيني نفسه الذي يري القلب الرؤيا الجامعة الكاشفة عن أن الله بكل شيء محيط ، وأن الهدى والضلال منه ، وأن مشيئته قاهرة ، ولو شاء لهدى الناس أجمعين. فالكافرون كفروا بإذن الله وبهدف حث الاسم المؤمن وتعيناته على ممارسة نشاطه وإمكاناته. فمن دون هذه الإثارة ما كان ثم حاجة إلى أن يواجه المؤمن الكافر ويتحداه ، ويخوض الحرب ضده من أجل إعلاء كلمة الحق. وعند ما يتبين المؤمن هذه الحقيقة الجامعة يعلم علم اليقين أن الكافر ممحوق مغلوب على أمره مأخوذ بناصيته طوعا أو كرها وهو جاهل لا يدري. وهذه الغلبة للمؤمنين هي النصر المبين ، إذ يستريح القلب بالكشف من الحرب والصراع والتناقض ، ويتحقق قوله تعالى في إبراهيم : (يا نارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ) [الأنبياء : ٦٩].
١٤ ـ (وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (١٤))
[إبراهيم : ١٤]
الأرض أرض الخلافة الآدمية ، وقال سبحانه في موضع آخر : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) [النّساء : ٩٧] ، والمعنى أن السالك بوصوله إلى عين الجمع قد صارت الأرض كلها ملكه ، لأن كل ما على الأرض أسماء والأسماء لله ، وقد صارت لخليفته الوارث بحكم الوراثة.
١٥ ، ١٨ ـ (وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨))
[إبراهيم : ١٥ ، ١٨]
جهنم من جهنام وهي بئر بعيدة القعر ، هكذا قال ابن عربي. والبعيد إشارة إلى اسمه البعيد ، والبئر هي التي ألقي فيها يوسف ، والمعنى أن في البعد عن الله عذابا ، ذلك لأنه لا يبقى لصاحب النفس الجزئية إلا نفسه الجزئية ، ونفسه الجزئية محجوبة أولا ومحكومة من قبل الأهواء وقوتي الشهوة والغضب ثانيا ، ثم أي أمل يبقى للكافرين إذا آمنوا بأن الوجود وجد مصادفة ، وأن لا إله إلا الطبيعة ، ولا عقل إلا العقل الإنساني الجزئي؟ فالنتيجة ضياع وعبث ولا جدوى ، وهذه شعارات رفعتها الوجودية الحديثة.
١٩ ، ٢٠ ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ (٢٠))
[إبراهيم : ١٩ ، ٢٠]
الخلق الجديد الموحدون الذين تعاقبوا في التاريخ منذ زمن آدم. فلقد اشتهرت الوحدانية