٩ ـ (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩))
[الرعد : ٩]
المتعال الذي يتعالى عن أن يعرف. وقال صلىاللهعليهوسلم : (لا تفكروا في ذات الله) وعن معاذ بن جبل أن رسول الله قال صلىاللهعليهوسلم : (لو عرفتم الله حق معرفته لعلمتم العلم الذي ليس بعده جهل ، وما بلغ ذلك أحد قط ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا ، إن الله أبلغ شأنا من أن يبلغ أحد شأنه). وفي كتاب الله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً (٨٥)) [الإسراء : ٨٥]. وقال الصديق : (العجز عن درك الإدراك إدراك) وأثبت الفيلسوف كانط أن العقل قاصر عن إدراك الشيء في ذاته ، فكل الأديان والفلسفات التوحيدية وأعلام الصوفية قالوا ما قالوا في التوحيد إلا أنهم وقفوا بتجلة واحترام وذل أمام الذات الإلهية خاشعين ، وعبثا يحاول العقل تصور كيف صارت الطاقة اللطيفة مادة وأجراما وعبثا يحاول تمثل النور الأول الذي هو النور المعنوي ، ففي الوسع القول عمّا ظهر به النور ، أما أن تعرف ماهية هذا النور وجوهره فهذا مستحيل.
١٠ ـ (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠))
[الرعد : ١٠]
باعتبار الذات روح الروح والنور الأصيل فهي مركز الإشعاع ومركز الدائرة الكونية. ومن احتلال هذه المكانة كان الله بكل شيء عليما. فما تكلم متكلم إلا والله سميع له ، وما سكت ساكت إلا والله بسره خبير. فعن الله لا يخفى شيء ولا يعزب علم مثقال ذرة تكون في صخرة أو في السموات والأرض.
١١ ـ (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١))
[الرعد : ١١]
المعقبات الأنوار المساعدة ، وهي الخواطر الحافظة من شر الغاسق إذا وقب ، ومن الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس ، فالله هو الحفيظ وهو خير حافظا.
والسوء الذي تريده المشيئة الإلهية كوني لأنه انشطار من الحسن ، ولا تفريق بل لا بد من التفريق للتمييز ، فلا مرد لهذا السوء الكوني الواقع طوعا أو كرها. فالله كتب معادلات الوجود بمداد التضاد والتناقضات. قال سقراط : ما أعجب فعل السياسة الإلهية حيث قرنت الأضداد بعضها مع بعض ، فإنه لا يكاد أن يكون لذة إلا يتبعها ألم ، ولا ألم إلا تتبعه لذة.
١٢ ـ (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢))
[الرعد : ١٢]
البرق يذكر بقول ابن سينا : مستديم لشروق نور الحق في ذاته ، فالبرق ومضات من النور