والإشارة إلى الدماغ وآلته من الحبال العصبية والعقد ، وقد أثبت العلم الحديث تموضع العلوم في الخلايا العصبية ، وإن لم يعرفوا كيفية انتقاشها هناك ، فمن قائل إن العملية كيميائية فيزيائية ، ومن قائل إنها كهرطيسية ، ومن قائل إنها تتم وفق ترميز غامض.
٦٣ ـ (فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٦٣))
[يوسف : ٦٣]
طلب إرسال الأخ طلب الأسماء للفكر نفسه ، وللطلب لطيفة ، ذلك لأن الأسماء هي التي أغنت الفكر عن طريق معقولاتها المرتقة ، وقال لا يبنتز الفيلسوف : النفس تمتلك منذ الأزل مبادىء المفاهيم التي لا توقظها إلا الأشياء الخارجية ، فالأمر هو علاقة الأسماء بالفكر وعلاقة الفكر بالأسماء ، فهي لو لا الفكر ما تفتقت ، وهو لو لا الأسماء ما تعلم ، وكلاهما لو لا العالم الخارجي لم يمارسا طاقاتهما. ولهذا قال أفلوطين : إن عوالم العقل الفعال والنفس الكلية والنفوس الجزئية مترابطة متشابكة لا يمكن فصل أحدها عن البقية. فإذا قلنا إن الله موجود وإنه ذات صرفة ، وقلنا إن صفاته مشعة عنه ، وإنها ليست هو وليست غيره ، وقلنا إن النفوس الجزئية صادرة عن النفس الكلية ، وقلنا إن ما يكون بالقوة يصير بالفعل ، وقلنا إن مثل أفلاطون حقيقية ولكنها مشعة مباشرة عن الواحد ، فقولنا يعني أن عملية الإشعاع هذه دائمة مستمرة تبدأ من الذات وتنتهي بظهور هذا العالم الظاهر المتحرك حيث يحتل الإنسان فيه مرتبة الملك.
٦٤ ـ (قالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٦٤))
[يوسف : ٦٤]
الحافظ هو الذي يحفظ الصلة بين الأسماء والفكر ، وبين الفكر والأسماء وهي الصلة التي تحدثنا عنها سابقا ، فلو لا الله مادام الوجود ساعة ولتفجر بفعل انعدام الجاذبية الكونية ، ولتناثر ذرات ، وعادت الذرات سديما قديما لطيفا كما كان.
٦٥ ، ٦٦ ـ (وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (٦٥) قالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ اللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٦٦))
[يوسف : ٦٥ ، ٦٦]
بعد الكشف تجد الأسماء أن مضامينها المفتقة هي عين ما حصله الفكر بالتجريد ، فلا جديد تحت الشمس ، والله لم يخلق الفكر عبثا ، ولهذا قال ابن عربي في الفلاسفة : الفيلسوف ليس كل علمه باطلا ، وليس القول إن الفيلسوف لا دين له يدل على أن كل ما عنده باطل ،