يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥))
[البقرة : ١٨٥]
رمضان اسم من أسماء الله ، وهو أكثرها خصوصية ، فأول تعين للروح كان في هذا الشهر ، فهو في عالم الروح بدء الزمان وسيرورته ، ولقد أنزل القرآن في رمضان ، والقرآن الصحف الجامعة للعلوم الطالبة للفرقان والتبيين ، وشهود رمضان شهود الحق سبحانه ، كما قال صلىاللهعليهوسلم في ربه : (نور إني أراه) ، فالصيام صوم الحواس في الخلوة كي تتحقق الجلوة.
١٨٦ ـ (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (١٨٦))
[البقرة : ١٨٦]
القرب التجلي الإلهي للعبد في الخلوة ، وصاحب الخلوة يسأل أين الله ، فإذا المنادي صوت الأنا ، وإذا المنادى صوت الأنا أيضا ولكنها الأنا الكلية أو الأنا الخالصة المطلقة ، فالقرب هنا قرب حقيقي ، لأنه قرب ذاتي ، وليس بعد هذا القرب إلا الفناء في الأنا الكبرى.
١٨٧ ـ (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٨٧))
[البقرة : ١٨٧]
الرفث إلى النساء إشارة إلى صلة الاسم بالعالم الخارجي ، إذ الأنوثة محل الانفعال كما هو الحال في النكاح ، واللباس الشروع في لبس العالم الخارجي المادي لأنه أداة للنفس وسبيلها إلى التعيين والظهور ، والخيط الأبيض والخيط الأسود العالم الجواني والعالم البراني ، ولدى الوصول إلى هذا التفريق بين العالمين ، وسمي بمصطلح الصوفية البرزخ ، فإن على العبد أن يصوم ، أي أن يكف عن الالتفات إلى عالم الحس لأنه يكون عند ذاك ووقت ذاك في حضرة الروح ، ويظل الصائم صائما إلى الليل ، أي إلى حين طي سماء الروح بعد طي الأرض ، فهذا مدخل إلى الحضرة حيث المعرفة والعرفان.
١٨٨ ـ (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٨))
[البقرة : ١٨٨]
الأموال العلوم المحصلة من عالم المحسوسات ، والحكام الأحكام الظاهرة ، فما عند العبد من العلوم بعد إتمام الصيام مكرس لخدمة الله عزوجل لإظهار حقائق التوحيد.