ومحبوبا ومفهوما من قبل العامة والخواص والصغير والكبير والأمي والمثقف
والعالم والجاهل بل والأعاجم الذي يقرؤونه فلا يكادون يفقهون إلا القليل مما جاء
فيه ، وهم مع هذا ينفعلون ويتأثرون ويهتزون ، وتفيض أعينهم من الدمع لدى قراءتهم
له وترنمهم بهذه الموسيقى الخفية المشعة من الكلمات والحروف بحيث تنفذ إلى الوجدان
مباشرة قبل أن تخاطب الفكر والعقل.
والقرآن أبدي
يتجدد تأثيره كل يوم حتى إن الإنسان ليقرأه ويعيد قراءته طوال حياته فلا يمل منه ،
ويجد في كل قراءة حلاوة ، وصفة كهذه لا توجد في الكتب إلا بنسب مختلفة في حين تبلغ
نسبته في القرآن حدا يبلغ المعجزة ، وكم من أناس ولدوا وعاشوا وماتوا وليس لهم
سمير ولا صاحب ولا خليل إلا القرآن.
وللقرآن الفضل
الأول والأخير في حفظ اللغة العربية من الاندثار والزوال كما حدث لمعظم اللغات
القديمة ، فلو لاه لحلت محل العربية الفصحى اللهجات المحلية التي لا يوجد لها حصر
والتي تتغير مع الأيام حتى لتجد هذه اللهجات تكاد أحيانا أن تكون غريبة تماما عن
الفصحى ، وقد داخلها ما دخلها من الكلمات الأعجمية والمستجدة.
والقرآن أصل
اللغة ، فقواعد اللغة رفعت أصلا على أسس من القرآن ، وما من دارس للعربية متخصص ،
حتى وإن كان غير مسلم ، إلا ويعتمد القرآن اعتمادا مطلقا ، وينطلق منه أساسا لتعلم
العربية.
ولا يزال هذا
الكتاب وسط الأمواج الخافضة الرافعة المبعدة المقربة يعلو فوق كل مد ويتأبى على كل
جزر ، وبقيت أسسه وأصوله جبلا شامخا منيعا هو منارة للإنسان وحمى وملجأ لكل مستجير
باحث عن الحقيقة.
ولو كان القرآن
من عند غير الله لما ثبت كل هذه القرون ، في وجه تقلبات الأيام التي ما تزال تأتي
كل حين بجديد ، فتدك صروحا شامخات ، وتقيم صروحا جديدة ، وتقترح وتصحح وتصوب ، حتى
إذا جاء المد عاد الجديد قديما والصواب خطأ إلا هذا الكتاب الإلهي الذي يعلو فوق
كل زمان.
٣٩ ـ (بَلْ كَذَّبُوا بِما
لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩))
[يونس : ٣٩]
تأويل القرآن
من التحديات التي جاء الله بها الناس ، وقال صلىاللهعليهوسلم : (ما من آية من آيات القرآن إلا ولها ظهر وبطن ،
ولبطنه بطن إلى سبعه أبطن) ، وسئل الإمام علي : هل خصكم رسول الله بشيء دون الناس؟
فأجاب : (لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يؤتيه الله عبدا في