الفلك الوجود الحسي العياني فهو الهيكل الجامع العائم في بحر الهيولى الكلية ، وهذه الفلك تجري بأمر الله وأمره الريح بالإضافة إلى العوم نفسه كما قال سبحانه في موضع آخر : (وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) [النّحل : ١٤] وقوله : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [الإسراء : ٧٠].
والفرح بالفلك الفرح بالوجود وادعاء ملكيته عن طريق الأنية ، والريح العاصف مثل ريح الكشف ، والموج هجوم جند الله عن الإيمان والشمائل على القلب فإذا هو معرى من أنيته وخواطره ويمينه وشماله ، وإذا هو يتوجه إلى الله لينجيه من هول هذا الفناء المعنوي الذي لا يرى المكاشف فيه من حوله أحدا ، ولا يرى له ولا للناس وجودا حقيا بل وجودا إضافيا مسندا ملحقا قائما بالوجود الأصيل.
٢٣ ـ (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣))
[يونس : ٢٣]
البغي رجوع الكثيرين من السالكين من بعض طريق المكاشفات دون أن يتموا الهجرة إلى الله والحج إليه ، ويورد عبد الكريم الجيلي في كتابه «الإنسان الكامل» الكثير من الآفات التي يتعرض لها المهاجرون في الطريق حيث يضلهم الشيطان فيرجعون وهم لا طريقا قطعوا ولا ظهرا أبقوا.
٢٤ ـ (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤))
[يونس : ٢٤]
ما دامت الدنيا ميدانا لصراع الأسماء ، ومسيل تناقضات ، فلا ثبات فيها على حال ولا دوام لشيء ، ولهذا قال هيراقليطس : أنت لا تنزل في مياه النهر مرتين لأن الماء يتجدد من حولك باستمرار ، فمن المستحيل الإمساك بالساعة الراهنة ، كما من المستحيل استرجاع الساعة الفائتة ، ومشكلة الإنسان أنه يحاول تثبيت قدميه في أرض هذا العالم المترجرج ، ولهذا تكون خيبة أمله عظيمة كلما هزه هذا التغيير الدائم.
هذا على مستوى الظاهر ، أما على مستوى الباطن فثمة حالان يعيشهما الإنسان ... الأول يعيشه قبل المكاشفة ، وفيه تكون الأنا مقابل العالم ، والأنا مقابل الهو الإلهية ، وهم الإنسان قطع المسافة الفاصلة بين الدنيا والآخرة ، والأرض والسماء ، والنهاية واللانهاية ثم إن