الخواطر في القلب ، وكون القلب في قبضتها ، ودور الخواطر هذا هو ما وصف بالمكر ، ودور القبضة هو في الحقيقة المكر الإلهي ، والقصد التحريك والتقلب لرد النفس في البداية إلى أسفل سافلين ، ثم بدء العروج بها اسما إلى عليين ببلوغ اليقين.
ومكر الكفار مكر شخصي أو جزئي ، وأصله خاطر الكفر ، ويمثله في عالم الأسماء الاسم البعيد ، والمكر الإلهي مكر كلي لأنه سبحانه له اسم الوارث ، فكل مكر شخصي يعود إليه وينضوي تحته ، فيصير مكرا كليا ، فالمكر الإلهي هو على الحقيقة محاربة الاسم بالاسم والخاطر بالخاطر ... وإذا كان الكفار قد مكروا فالمؤمنون يمكرون أيضا ، وإذا خالف الكفار بعضهم بعضا فمحرك المكر فيهم هو الحق أيضا ، وتكون النتيجة أن الكلي يلتهم الجزئي ، ولا يبقى إلا المكر الإلهي الذي وصفه سبحانه بأنه خير ، لأنه يتبع صفته تعالى الخير ، ولأنه سبحانه يستخدم المكر للفلق والفتق.
٣٥ ، ٣٦ ـ (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦))
[الأنفال : ٣٥ ، ٣٦]
قوله : (وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) إشارة إلى أن أصل صفة الكلام إلهية وإن بدت بشرية ، فالمكاء الصفير ، والصفير موسيقى ، والموسيقى روح الكون كما قالت الفيثاغوريون ، فما قالته الجاهليون لم يخرج على إرادة الله في الحقيقة ، وقال عليهالسلام : (ما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن) ، أما التصدية فهي التصفيق ، ولقد شاهدنا كشفا رؤيا ذكرناها في كتابنا «الإنسان الكامل» وفحواها أن شخصا ظهر في الرؤيا ، وصفق ، ثم تبعه آخر وصفق تصفيقتين ، ثم صفق ثالث ثلاث تصفيقات ، هكذا حتى بلغ عدد المصفقين تسعة صفقوا تسع تصفيقات ، وكنت أنا واقفا في آخر الرتل فصفقت عشر تصفيقات ، وذكرت تعبير المنام في الكتاب قائلا : إن التصفيقات العشر إشارة إلى مقولات أرسطو العشر ، ولدى الصوفية ، مثل ابن عربي وعبد الغني النابلسي وصف للمقولات ، فأنشد النابلسي :
وجود مطلق عنه |
|
بدت أشكال أفراد |
وتسع تلك أعراض |
|
لها ذكر بتعداد |
متى والوضع مع ملك |
|
إضافات بإسناد |
تسمى الكم مع الكيف |
|
وأين عند نقاد |
وفعل وانفعال وهي |
|
معلومات إشهاد |
تجلى ربنا فيها |
|
بتقريب وإبعاد |