ثم ذكر أنه إنما فرّق أنساب الناس ليتعارفوا لا ليتفاخروا فقال تعالى : (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا ؛) الشّعوب جمع شعب بفتح الشّين ؛ وهو الحيّ العظيم مثل ربيعة ومضر ، والقبائل دونها وهو كبكر من ربيعة ، وتميم من مضر ، هذا قول جماعة من المفسّرين.
وروى عطاء عن ابن عباس أنه قال : (يريد بالشّعوب الموالي ، وبالقبائل العرب) (١) وإلى هذا ذهب قوم فقالوا : الشّعوب من العجم من لا يعرف لهم أصل نسب كالهند والتّرك ، والقبائل من العرب. وقيل : معناه : وجعلكم متشعّبين مفرّقين نحو العرب وفارس والرّوم والهند وقبائل العرب وبيوتات العجم. والشّعب بكسر الشين : الطريق في الجبل ، وجمعه شعاب.
والحاصل أنّ الشعوب رؤوس القبائل مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج ، والقبائل دون الشّعوب وهم كبكر من ربيعة وتميم من مضر ، ودون القبائل العمائر ؛ واحدتها عمارة بفتح العين ، وهم كشيبان من بكر ودارم من تميم ، ودون العمائر البطون ؛ واحدها بطن وهو كبني غالب ولؤي من قريش ، ودون البطون الأفخاد ؛ واحدها فخذ وهم بني هاشم وبني أمية من لؤي ، ثم الفصائل واحدها فصيلة وعشيرة.
قوله تعالى : (لِتَعارَفُوا) أي ليعرف بعضكم بعضا في النّسب لا لتفاخروا فيما بينكم ، كما أنّ الله تعالى خالف بين خلقكم وصوركم لتعرفوا بعضكم بعضا ، وقرأ الأعمش (لتعارفوا) وقرأ ابن عبّاس (لتعرفوا) بغير ألف.
وقوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ)، (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ) بفتح الألف ، (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (١٣) ؛ معناه : إنّ أكرمكم في الآخرة اتقاكم لله في الدّنيا ، وقال صلىاللهعليهوسلم : [إنّ الله قد أذهب نخوة الجاهليّة وتعظيمها بالآباء ، النّاس من آدم ؛ وآدم من التّراب ؛ أكرمكم عند الله أتقاكم ، لا فضل لعربيّ على عجميّ إلّا بالتّقوى](٢).
__________________
(١) ذكره عنه أيضا القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٦ ص ٣٤٤.
(٢) في الدر المنثور : ج ٧ ص ٥٧٩ ؛ قال السيوطي : (أخرجه ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر) وذكره