فأنزل الله تعالى هذه السّورة (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) أي قل لهم : يا أيّها الكافرون توحيد الله ، ليست في حالتي هذه بعابد ما تعبدون من الأصنام ، (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) (٣) ؛ أي ولا أنتم عابدون إلهي بجهلكم الإخلاص في عبادة الله ، (وَلا أَنا عابِدٌ ؛) فيما استقبل ، (ما عَبَدْتُّمْ) (٤) ؛ من الأصنام ، (وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ؛) فيما تستقبلون ، (ما أَعْبُدُ) (٥) ، إلهي الذي أعبده.
وفي هذه القصّة أنزل الله تعالى (قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ)(١) ، فلمّا نزلت هذه السورة غدا رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المسجد الحرام وفيه ملأ من قريش ، فقام على رؤوسهم ، ثم قرأها عليهم ، فآيسوا منه عند ذلك وآذوه وآذوا أصحابه.
وأما تكرار الكلام فمعناه : لا أعبد ما تعبدون في الحال ، ولا أنتم عابدون ما أعبد في الحال ، ولا أنتم عابدون ما أعبد في الحال ، ولا أنا عابد ما عبدتم في الاستقبال ، ولا أنتم عابدون ما أعبد في الاستقبال. وهذا خطاب لمن سبق في علم الله تعالى أنّهم لا يؤمنون.
وقال بعضهم : نزل القرآن بلغة العرب ، ومن مذهب العرب التكرار في الكلام على وجه التأكيد حتما للإطماع ، كما أنّ من مذهب الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز ، ومثل هذا كثير في الكلام والأشعار ، كما روي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم صعد المنبر فقال : [إنّ بني مخزوم استأذنوني في أن ينكحوا عليّا فتياتهم ، فلا آذن ، فلا آذن ، إنّ فاطمة بضعة منّي ، يسوءني ما يسوءها ، ويسرّني ما يسرّها](٢).
__________________
(١) الزمر / ٦٤.
(٢) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى : كتاب القسم والنشوز : باب ذب الرجل الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف : الحديث (١٥١٦٦). وأوله : [إنّ بني المغيرة استأذنوني] وفيه [فلا آذن ، ثمّ لا آذن ، ثمّ لا آذن] وإسناده صحيح. ومن طريق أبي الوليد أخرجه البخاري في الصحيح : كتاب الصلاة : باب الشقاق : الحديث (٥٢٧٨) مختصرا.