بدّ أن يكون المراد بهذا الثاني غير المراد الأول ، وكيف يكون هذا تكرارا ، وقد دخل بينهما حرف (ثمّ) التي هي للتراخي.
قوله تعالى : (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) (٥) ؛ قال بعضهم : جواب هذا محذوف ؛ أي حقّا لو علمتم ماذا ينزل بكم في الآخرة علم اليقين لما تفاخرتم في الدّنيا ، وما ألهاكم التكاثر.
قوله تعالى : (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (٦) ؛ أي لترونّ الجحيم في الموقف إن متّم على هذا ، (ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) (٧) ، معاينة ، إذا دخلتموها ، وتشاهدون في الآخرة كلّ ما شككتم فيه في الدّنيا ، (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (٨) ؛ ثم لتسألنّ يوم القيامة عن اشتغالكم بنعيم الدّنيا حتى تركتم ما لزمكم من الفرائض.
واختلفوا في هذا السّؤال ، قال بعضهم : هو سؤال توبيخ وتقريع للكفّار في النار ، يقال للكافر وهو في النار : أين ذهب تفاخرك وملكك ومملكتك وعددك ، ويؤيّد هذا ما روي : أنّ أبا بكر رضي الله عنه سأل النّبيّ صلىاللهعليهوسلم عن أكلة أكلها مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في بيت أبي الهيثم بن التّيهان الأنصاريّ من لحم وخبز شعير وماء عذب وبسر قد ذنّب ، فقال : يا نبيّ الله أتخاف علينا أن يكون علينا من النّعيم الّذي نسأل عنه؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : [إنّ ذلك للكفّار ، ثمّ ثلاث لا يسأل الله العبد عنهم يوم القيامة : ما يواري به عورته ، وما يقيم به صلبه ، وما يكنّه من الحرّ والبرد. وهو مسؤول بعد ذلك عن كلّ نعمة](١).
وقال صلىاللهعليهوسلم : [ما أنعم الله على عبد من نعمة صغيرة أو كبيرة فقال عليها : الحمد لله ، إلّا أعطي خيرا ممّا أخذ](٢).
__________________
(١) في الجامع لأحكام القرآن : ج ٢٠ ص ١٧٧ ؛ قال القرطبي : (ذكره القشيري أبو نصر). وبمعناه أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (٢٩٣٢٨) عن أبي هريرة رضي الله عنه ، و (٢٩٣٢٩) عن أبي عسيب.
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ٨ ص ١٩٣ : الحديث (٧٧٩٤) عن أبي أمامة رضي الله عنه.