تضمّنته الصّحف المطهّرة من المكتوب ، سمّيت مطهّرة ؛ لأنّها مطهّرة من الباطل والتناقض ، ولا يمسّها إلّا المطهّرون من الأنجاس وهم الملائكة ، وأراد بها الصّحف التي في أيديهم كما قال (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ، كِرامٍ بَرَرَةٍ)(١) ، في تلك الصّحف (كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) أي مستقيمة في جهة الصّواب ، لا تؤدّي إلى اعوجاج ، ولا تدلّ إلّا على الحقّ.
قوله تعالى : (وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) (٤) ؛ فيه تقريع لليهود والنصارى ، فإنّهم ما اختلفوا في أمر النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلّا من بعد ما جاءهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالقرآن والمعجزات ، (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ ؛) أي ما أمر هؤلاء الذين سبق ذكرهم من اليهود والمشركين في جميع كتب الله إلّا أن يعبدوا الله ، (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ؛) في دينهم ؛ (حُنَفاءَ ؛) مائلين عن كلّ دين سوى الإسلام ؛ وأن ؛ (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ ؛) بحقوقها في مواقيتها ، وأن ؛ (وَيُؤْتُوا ؛) يعطوا ؛ (الزَّكاةَ ؛) المفروضة ، (وَذلِكَ دِينُ ؛) الله (الْقَيِّمَةِ) (٥) ؛ أي المستقيمة.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (٦) ؛ أي شرّ خليقة ، ومنه برئ الله ، والبرئة بالهمز هم الخليقة ، ومنه برأ الله الخلق ، ومنه البارئ بمعنى الخالق. ومن قرأ بغير الهمز كأنه ترك الهمز على وجه التخفيف.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (٧) ؛ أي خير الخليقة ، (جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ ؛) أي بساتين إقامة ، (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ؛) الأربعة ، (خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ؛) بإيمانهم ، (وَرَضُوا عَنْهُ ؛) بالثّواب الذي أكرمهم الله به ، (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (٨) ؛ بامتثال أوامره ، واجتناب معاصيه.
آخر تفسير سورة (البينة) والحمد لله رب العالمين
__________________
(١) عبس / ١٥ ـ ١٦.