قوله تعالى : (وَوالِدٍ وَما وَلَدَ) (٣) ؛ فهذا قسم بآدم وذريّته ، وجواب القسم : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) (٤) ؛ أي في شدّة من حين ينفخ فيه الروح إلى أن يصل إلى الآخرة ، ليعلم أنّ الدّنيا دار كدّ ومشقّة ، والجنّة دار الراحة والنعمة. والمكابدة في اللغة : هو أن يكابد الإنسان أمر المعاش والمعاد ، قال الحسن : «تكاد مصائب الدّنيا ، وشدائد الآخرة ، لا تلقى ابن آدم إلّا يكابد أمر الدّنيا في مشقّة» (١).
قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ) (٥) ؛ كناية عن الإنسان ، وقد جاء في التفسير : أنه نزل في أبي الأشدّ بن كلدة الجمحيّ ، كان قويّا شديدا يضع الأديم العكاظيّ فيقف عليه ويقول : من أزالني عنه فله كذا وكذا ، فيجتمع عليه عشرة أقوياء ويجرّون الأديم ، فكان ينقطع الأديم ولا تزول قدماه عن مكانهما.
والمعنى : يظنّ هذا الكافر بشدّته وقوّته أن لن يقدر عليه أحد ؛ أي على أخذه وعقوبته أحد ، وأن لن يبعث (٢) ، والله قادر عليه ، فيقال : إنه لمّا نزل ذلك حصر بطنه وانحصر بوله فكان يتمرّغ في التراب ويقول : قتلني ربّ محمّد (٣).
قوله تعالى : (يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً) (٦) ؛ يعني هذا الكافر المذكور يقول : أهلكت مالا كثيرا في عداوة محمّد وأصحابه فلم ينفعني ذلك. واللّبد : كلّ ما لبد بعضه على بعض. قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ) (٧) ؛ معناه : أيظنّ أنه لم يحص عليه ما أنفق ، وأنه لا يسأل عنه من أين اكتسبه ، وفيم أنفقه؟
قوله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ) (٩) ؛ ذكر الله منّته عليه فقال : ألم نجعل له عينين يبصر بهما ، ولسانا يتكلّم به ، وشفتين يستعين بهما على الكلام.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٨٨٧٢ و ٢٨٨٧٣).
(٢) في المخطوط : (وألّن يبعث).
(٣) ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز : ص ١٩٧٩. والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ٢٠ ص ٦٤.