قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ) (١٧) ؛ أي هل بلغك ـ يا محمّد ـ حديث الجموع من الكفّار كيف فعلوا؟ وكيف فعل الله بهم؟ وهذا استفهام بمعنى التقرير. ثم بيّن أولئك الجنود فقال تعالى : (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) (١٨) ؛ وإنما خصّ فرعون وثمود بالذّكر وهم بعض الجنود ؛ لاختصاصهم بكثرة العدد والعدد.
قوله تعالى : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ) (١٩) ؛ معناه : بل هؤلاء المشركون في تكذيب بك وبما أنزل إليك عن ما أوجب الاعتبار بفرعون وثمود ، كأنه تعالى يقول : قد ذكرنا أمثال من قبلكم من المكذّبين وما حلّ بهم من النّقمة ؛ ليعتبروا ويرتدعوا ، فلم يفعلوا بل هم في تكذيب.
قوله تعالى : (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) (٢٠) ؛ أي وعلم الله محيط بهم ، وقدرته مشتملة عليهم ، (بَلْ ؛) هذا الذي أتى به محمّد ، (هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ) (٢١) أي شريف كريم ليس كما يزعمون أنه سحر وشعر وكهانة أو أساطير الأوّلين ، ولكنّه ؛ (فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) (٢٢) ؛ عند الله وهو أمّ الكتاب.
قرأ نافع (محفوظ) (١) بضمّ الظاء ، نعت القرآن ، وقرأ الباقون بالخفض على نعت اللّوح ، فمن جعل قوله تعالى (محفوظ) للقرآن فمعناه محفوظ من الزّيادة والنّقصان والتبديل والتغيّر ؛ لأنه معجز لا يقدر أحد أن يزيد فيه ، وعن ابن عبّاس أنه قال : «إنّ في صدر اللّوح : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، ودينه الإسلام ، ومحمّد عبده ورسوله ، فمن آمن بالله عزوجل وصدّق وعبده واتّبع رسوله ، أدخله الجنّة».
قال : «واللّوح من درّة بيضاء ، طولها ما بين السّماء والأرض ، وعرضها ما بين المشرق والمغرب ، حافّتاه الدّرّ والياقوت ، ودفّتاه ياقوتة حمراء ، قلمه نور وكلامه نور معقود بالعرش ، وأصله في حجر ملك محفوظ من الشّياطين» (٢) ، وبالله التوفيق.
آخر تفسير سورة (البروج) والحمد لله رب العالمين
__________________
(١) نقله الطبري في جامع البيان : النص (٢٨٥٦٩).
(٢) أخرجه أيضا الثعلبي في الكشف والبيان : ج ١٠ ص ١٧٥. ونقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٩ ص ٢٩٨.