لا يلتفت أحد إلى أحد منهم لعظم ما هم فيه ، ومخافة إن سأله أحد منهم يحمل عنه شيئا من عقابه ويواشيه (١) بشيء من ثوابه. وقيل : يفرّ منهم حذرا من مطالبتهم إياه بما بينهم من التّبعات والمظالم. وقيل : لعلمه بأنّهم لا ينفعونه.
وعن الحسن قال : «أوّل من يفرّ من أبيه يوم القيامة إبراهيم ، ويفرّ محمّد صلىاللهعليهوسلم من أمّه ، ويفرّ لوط عليهالسلام من زوجته ، ونوح من إبنه كنعان ، وهابيل من أخيه قابيل) (٢) وهذا في أولي الثّواب من أهل العقاب ، وفي أهل العقاب فيما بينهم ، وأمّا أهل الثّواب فيما بينهم فليسوا كذلك ، ولكن يسألون ربّهم إلحاق ذرّيّتهم.
قوله تعالى : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) (٣٧) ؛ أي شأن يشغله عن الأقرباء ويصرفه عنهم ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت يا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يبعث النّاس يوم القيامة حفاة عراة غرلا ، فقلت : يا رسول الله فكيف بالعورات؟! فقال : [لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه](٣).
عن سودة أمّ المؤمنين قالت : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [يبعث النّاس يوم القيامة حفاة عراة غرلا] قالت : قلت يا رسول الله ؛ واسوأتاه ينظر بعضنا إلى بعض؟! قال : [شغل النّاس عن ذلك ، لكلّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه].
قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ) (٣٨) ؛ أي مضيئة مشرقة حسنة فرحة معجبة ، مسرورة بما أكرمها الله تعالى به ، وهي وجوه أهل الثواب ، (ضاحِكَةٌ ؛) بالسّرور ، (مُسْتَبْشِرَةٌ) (٣٩) ؛ أي فرحة بما تنال من الله من الكرامة ، (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ) (٤٠) ؛ أي غبار من البلاء وسواد وكآبة ، (تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) (٤١) ؛ أي يعلوها ويغشاها كسوف وسواد عند معاينة النار ، والقترة : سواد كالدّخان الأسود. ثم بيّن من أهل هذه الوجوه ، قال تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) (٤٢) ؛ أي الكفرة بالله الكذبة على الله ، جمع كاذب فاجر.
آخر تفسير سورة (عبس) والحمد لله رب العالمين
__________________
(١) وشى به إلى السلطان وشاية أي سعى. مختار الصحاح : (وشى).
(٢) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٩ ص ٢٢٥ ، وفيه اختلاف.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (٢٨٢٠٣) وإسناده صحيح.