قوله تعالى : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) (٣٠) ؛ أي سطّحها بعد خلق السّماء ، مأخوذ من الدّحو وهو البسط (١) ، وذلك أنّ الله خلق الأرض قبل السّماء مجموعة ، ثم خلق السّماء وشمسها وقمرها وليلها ونهارها ، ثم دحا الأرض بعد ذلك «فهو» أدلّ على القدرة (٢).
قوله تعالى : (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) (٣١) ؛ أراد بالماء ماء الآبار والعيون التي تخرج من الأرض ، وبالمرعى النبات مما يأكل الناس والأنعام وهو قوله تعالى : (وَالْجِبالَ أَرْساها) (٣٢) ؛ أي أثبتها وثقّل بها الأرض ، فعل ذلك ، (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) (٣٣) ، أي منفعة لكم ولدوابكم لا لمنفعة نفسه ، فإنه منزّه عن المضارّ والمنافع.
قوله تعالى : (فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى) (٣٤) ؛ يعني النفخة الثانية التي فيها البعث ، والطامّة : الحادثة التي تطمّ على ما سواها ؛ أي تعلو فوقه ، والقيامة تطمّ على كلّ شيء فسميت الطامّة. قوله تعالى : (يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى) (٣٥) ؛ أي ما عمل في الدّنيا من خير أو شرّ ، ويقرأ كتابه ، (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) (٣٦) ؛ أي أظهرت لجميع الخلائق حتى يراها أهل الموقف كلّ هم ، والطامّة عند العرب الدّاهية التي لا تستطاع. وقيل : إن الطامّة الكبرى حين يساق أهل النار إلى النار ، وأهل الجنة الى الجنّة.
قوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ طَغى (٣٧) وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا (٣٨) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) (٣٩) ؛ معناه : فأمّا من جاوز الحدّ في معصية الله ، واختار ما في الدّنيا من زهرتها وزينتها على الإيمان بالله وطاعته ، فإن الجحيم هي المأوى ؛ أي مأواه ، (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ ؛) للحساب واجتنب المعاصي ، (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ
__________________
(١) في المخطوط : (النبط) وهو غير مناسب ؛ لأن معنى دحا الأرض أي بسطها.
(٢) أي أدلّ على القدرة من القول الآخر ، حيث (أن الله تعالى خلق أولا دخان السماء ، ثم خلق الأرض ، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فسوّاها ، ثم دحا الأرض بعد ذلك). واختلاف بين أهل التفسير ؛ ينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ١ ص ٢٥٤ ـ ٢٥٦ وج ١٩ ص ٢٠٥.