قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ ؛) معناه : ذلك الإملاء لليهود بأنّهم قالوا للمشركين : سنطيعكم في بعض الأمور ؛ أي في التّعاون على عداوة محمّد صلىاللهعليهوسلم ، قالوا ذلك فيما بينهم ، فأخبر الله تعالى عنهم وأعلم أنه يعلم ذلك فقال : (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) (٢٦) ؛ وقرأ بكسر الألف على المصدر ؛ أي إسرارهم بكسر الألف ، والمعنى : والله يعلم أسرار اليهود والمنافقين.
قوله تعالى : (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ ؛) أي كيف يكون حالهم إذا قبضت أرواحهم الملائكة ، (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) (٢٧) ، وظهورهم بمقامع الحديد عند قبض الأرواح.
ثم ذكر سبب ذلك الضّرب : (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) (٢٨) ؛ بما كتموا من التوراة ، وكفروا بمحمّد صلىاللهعليهوسلم ، وكرهوا ما فيه رضوان الله وهو الطاعة والإيمان (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) ، معنى ما كان من برّ وصلة وخير عملوه في غير الإيمان بكفرهم.
قوله تعالى : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ؛) أظنّ المنافقون ؛ (أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) (٢٩) ؛ يعني أن لن يتلوا شيئا يظهر فيه حقدهم للمسلمين وضغنهم عليهم ، فأمر الله تعالى بالقتال والنّفقة ، فبخل المنافقون بالمال فظهر نفاقهم ، والضّغن : هو الحقد الذي يضمره الإنسان بقلبه ولا يظهره لغيره.
قوله تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ ؛) أي لعرّفناكهم وأعلمناكهم ، (فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ ؛) أي بالعلامة القبيحة التي نظهرها عليهم ، قال الزجّاج : (معناه : لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة ؛ وهي السّيماء ؛ فلعرفتهم بتلك العلامة) (١).
وقوله تعالى : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ؛) أعلم الله النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يطلعه على نفاقهم في فحوى كلامهم ، فكان لا يتكلّم بعد نزول الآية منافق عند النبيّ صلىاللهعليهوسلم إلّا عرف بكلامه وبما يعتذرون إليه به من المعاذير الكاذبة.
__________________
(١) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ج ٥ ص ١٣.