جزاهم بما صبروا في الدّنيا على طاعة الله ، وعلى ما أصابهم من الشّدائد في ذات الله جنّة يسكنونها وحريرا يلبسونه في الجنّة.
قوله تعالى : (مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ ؛) نصب على الحال فيها ؛ أي في الجنّة «متكئين» على الأرائك ؛ أي على السّرر في الحجال ، ولا تكون أريكة إذا اجتمعا ، قال مقاتل : «الأرائك : السّرر في الحجال من الدّرر والياقوت ، موضونة بقضبان الدّرّ والذهب والفضّة وألوان الجواهر. والحجال : شبه القباب فوق السّرر» (١) ، (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) (١٣) ؛ لا يصيبهم في الجنّة شمس ولا زمهرير ؛ أي لا يصيبهم حرّ الشمس ولا برد الزّمهرير ، البرد الشديد الذي يحرق ببرودته إحراق النار.
وروي أنّ هذه الآيات نزلت في عليّ وفاطمة وجارية لهما يقال لها فضّة (٢) ، قال ابن عبّاس : «مرض الحسن والحسين ، فعادهما جدّهما رسول الله صلىاللهعليهوسلم ومعه أبو بكر عمر ، فقالوا لعليّ : [لو نذرت على ولديك نذرا؟] فقال عليّ رضي الله عنه : إن برئ ولداي ممّا بهما صمت ثلاثة أيّام ، فقالت فاطمة كذلك ، وقالت جاريتهما كذلك ، فوهب الله لهما العافية.
فانطلق عليّ رضي الله عنه إلى سمعون اليهوديّ فاستقرض منه ثلاثة أصع من شعير ، فطحنت الجارية صاعا ، وخبزت منه خمسة أقراص ، لكلّ واحد منهم قرص ، وصلّى عليّ مع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم المغرب ثمّ أتى المنزل ، فوضع الطّعام بين يديه ، إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب وقال : السّلام عليكم يا أهل بيت محمّد ، مسكين من مساكين
__________________
(١) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٤٢٩.
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٩ ص ١٣٠ ؛ قال القرطبي : (ذكر النقاش والثعلبي والقشيري وغير واحد من المفسرين في قصّ ة علي وفاطمة وجاريتهما حديثا لا يصحّ ولا يثبت ، رواه ليث عن مجاهد عن ابن عباس) وذكره. قلت : لا يخفى ما فيها ، فهي ظاهرة الاختلاق ، وفيها أشعار للمسكين واليتيم يخاطبون بيت النبوة ، وأشعار لفاطمة عليهاالسّلام تخاطب كل واحد منهم ، وهي أقرب إلى الأدب المسرحيّ المعاصر ، ومما لا شكّ فيه أن فاطمة وعلي رضي الله عنهما أرفع مما ذكر في هذا الشعر والبلاغة ، بل لا يقاس ؛ لسفساف ألفاظ ما ذكر وسخف معناه.