وما جعلنا عدّة هؤلاء الملائكة مع قلّتهم في العدد إلّا ضلالة للّذين كفروا
حتى قالوا ما قالوه من التكذيب ، وقال كلدة بن أسد : أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني
أنتم اثنين.
وقوله تعالى : (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ ؛) أي ليعلم اليهود والنصارى بذلك صحّة نبوّة النبيّ صلىاللهعليهوسلم حين يجدون ما أتى به موافقا لما في التّوراة والإنجيل ،
فإنّ عدد هؤلاء الخزنة في كتبهم تسعة عشر ، فيعلمون أنّ ما أتى به محمّد صلىاللهعليهوسلم موافق لما عندهم. قوله تعالى : (وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً
؛) أي ولكي يزداد المؤمنون تصديقا على تصديقهم لتصديق أهل
الكتاب لذلك.
قوله تعالى : (وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ؛) أي ؛ ولئلّا يشكّ الذين أوتوا الكتاب في أمر القرآن ،
ولا يشكّ المؤمنون بالتدبّر والتفكّر فيه.
قوله تعالى : (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ
مَرَضٌ ؛) أي شكّ ونفاق ، والمراد بهم المنافقون ، (وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ
بِهذا مَثَلاً ؛) يعني أهل مكّة ؛ أي أيّ شيء أراد الله بذكر عدد خزنة
جهنّم صفة من قلّة الملائكة ، يعني : أنّهم لا يصدّقون بهذا العدد ، والمثل يكون
الحديث نفسه ؛ أي أن يقولون ما هذا الحديث.
قوله تعالى : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ
وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ؛) أي كما أضلّ من أنكر عدد الخزنة ، وهدى من صدّق بذلك ،
يضلّ من يشاء ، والمعنى يخذل الله من كان أهلا للخذلان ، ويوفّق من كان أهلا للهدى
، (وَما يَعْلَمُ
جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) يعني الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار ، لا يعلم
عددهم إلّا الله.
والمعنى أنّ
التسعة عشر هم خزنة النار من الأعوان ، والجنود من الملائكة ما لا يعلم عددهم إلّا
الله. وقيل : معناه : وما يعلم جموع ربك يا محمّد من الملائكة من عددهم ، ومقادير
قولهم إلّا الله.
قوله تعالى : (وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) (٣١) ؛ يعني سقر ؛ للصّفات التي ذكرها ما هي إلّا غظة للخلق وإنذار لهم
بأنّ نار الدّنيا تذكّرهم نار الآخرة فيجتنبوا ما يؤدّيهم إليها.