قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ؛) قال ابن عبّاس : (إنّ المؤمنين سألوا ربّهم أن ينزل سورة فيها ثواب القتال في سبيل الله). وقيل : إنّ المؤمنين كانوا يشتاقون إلى تواتر نزول القرآن ، وكانوا يستوحشون إذا أبطأ الوحي ، وهو قولهم (لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ) أي هلّا نزّلت سورة ، يقول الله تعالى : (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ ؛) أي بالأحكام التي لا يجري عليها النسخ ، يعني لا ينسخ منها شيء ، قال قتادة : (كلّ سورة يذكر فيها الجهاد فهي محكمة وهي أشدّ السّور على المنافقين) (١).
والمعنى : أنّ المؤمنين قالوا : هلّا أنزلت سورة تأمرنا بالجهاد ، قال الله تعالى : (فإذا أنزلت سورة محكمة) (وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ ؛) أي إيجاب القتال ، (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ؛) وهم المنافقون ، (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ؛) عند ذكر القتال كنظر الذي هو في غشيان من الموت ، كراهة منهم للقتال مخافة أن يقتلوا في الحرب. قال الزجّاج : معناه : رأيت المنافقين يشخصون نحوك بأبصارهم ، وينظرون إليك نظرا شديدا ، شزرا بتحديق شديد كراهة منهم للجهاد نظر المغشيّ عليه من الموت.
قوله تعالى : (فَأَوْلى لَهُمْ) (٢٠) ؛ كلمة وعيد لهم ، ومعناه : وليهم المكروه والعقاب أولى لهم ، وهذا كما قال تعالى (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى)(٢) ، قال الأصمعيّ : (معنى قوله : أولى لك فأولى ؛ أي وليك وقاربك ما تكره) (٣).
وقوله تعالى : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ ؛) ابتداء وخبره محذوف ، تقديره : طاعة وقول معروف أمثل وأحسن ، والمعنى على هذا : أنّ الله تعالى قال : لو أطاعوا وقالوا قولا معروفا كان أمثل وأحسن. ويجوز أن يكون هذا متّصلا بما قبله على معنى : فأولى لهم طاعة لله ولرسوله وقول معروف بالإجابة والطاعة.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٤٢٩٥).
(٢) القيامة / ٣٤.
(٣) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٦ ص ٢٤٤ ؛ قال القرطبي : قال الأصمعي : (معناه قاربه ما يهلكه ، أي نزل به ...).