ومعنى (لبدا) كاد يركب بعضهم بعضا في الازدحام ، وقرأ (لبدا) وهي قراءة مجاهد ، فهي بمعنى الكثير من قوله (أَهْلَكْتُ مالاً لُبَداً)(١) ، وقال الحسن وقتادة : (لمّا قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلبّدت الإنس والجنّ على أن يطفئوا نور الله ، فأبى الله إلّا أن ينصره ويظهره على من ناوأه) (٢).
ويقال : لمّا قام صلىاللهعليهوسلم في عبادته بمكّة ، كاد مشركو مكّة بشدّة كيدهم له أن يكونوا عليه متكاتفين بعضهم فوق بعض ليزيلوه بذلك عن دعوته إلى الله.
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) (٢٠) ؛ أي قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم لأهل مكّة حيث قالوا له : إنّك جئت بأمر عظيم فارجع عنه ، فقال : (إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي) أي أعبده وأدعوا الخلق إليه (وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً).
قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) (٢١) ؛ أي قل لأهل مكّة : لا أملك تغيير نعم الله عليكم ، ولا أجبركم على العبادة ، ولا يملك ضرّكم ورشدكم إلّا الله ، (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ ؛) وإنما أنا عبد خاضع ، إن غضب فلا مجير لي ولا ناصر ، (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (٢٢) ؛ أي مدخلا في الأرض ، ولا ملجأ ألجأ إليه ، ولا حوزا أقبل إليه. واشتقاق الملتحد من اللّحد.
قوله تعالى : (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ ؛) أي لا ينجيني من عذاب الله إلّا أن أبلّغ عن الله ما أرسلت به ، وبذلك أرجو النجاة ، ونيل الكرامة. قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) (٢٣) ؛ معناه : ومن يعص الله ورسوله من الأمم بعد البلاغ فلم يؤمن ، فإنّ له نار جهنّم. جواب الشرط بالفاء ولذلك لا يجوز بالكسر (خالدين فيها) نصب على الحال.
قوله تعالى : (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ ؛) ابتداء كلام ، والعرب تبتدئ ب (حتى) والمعنى : إذا رأى الكفار الذين يستطيلون على النبيّ صلىاللهعليهوسلم العذاب إمّا في الدّنيا
__________________
(١) البلد / ٦.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٧٢٣٥) عن قتادة.