فالجدّ : العظمة ، وقال الحسن : (معنى الجدّ في هذه الآية الغنى) (١) ومنه قولهم في الدّعاء : [ولا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ] أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه.
قوله تعالى : (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً) (٤) ؛ والمراد بالسّفيه في هذه الآية إبليس ، وقيل : من كان لا يؤمن من الجنّ ، وسفهه أن جعل لله صاحبة وولدا. والشّطط : السّرف في الخروج عن الحقّ ، وسمي القول البعيد من قولهم : شططت الدّار إذا بعدت. وقيل : الشّطط : الكذب والجور ، وهو وصفه بالشريك والولد.
قوله تعالى : (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) (٥) ؛ أي قالت الجنّ : إنا ظننّا أنّ الإنس والجنّ كانوا لا يكذبون على الله بأنّ له شريكا وصاحبة وولدا حتى سمعنا القرآن وتبيّنا الحقّ منه.
قوله تعالى : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) (٦) ؛ معناه : إنّ أهل الجاهلية كانوا إذا نزلوا بواد ، أو بأرض فأمسوا هنالك ، قالوا : نعوذ بسيّد هذا الوادي من سفهاء قومه ، أرادوا بذلك سيّد الجنّ ، فيبيتون في جوار منهم يحفظونهم حتى يصبحوا ، وقالت الجنّ : قد سدنا الجنّ والإنس حتى بلغ سؤددنا الإنس فزادهم تعوّذ الإنس لهم رهقا ؛ أي كبرا وعظمة في نفوسهم وسفها وطغيانا وظلما.
وعن كردم بن أبي السّائب الأنصاريّ (٢) قال : (خرجت مع أبي إلى المدينة وآوانا المبيت إلى راعي غنم ، فلمّا انتصف اللّيل جاءنا ذئب فأخذ حملا من الغنم ، فوثب الرّاعي فنادى : يا عامر الوادي جارك! فنادى مناديا لا نراه : يا سرحان أرسله. فأتى الحمل يشتدّ حتّى دخل بين الغنم لم يصبه شيء ، فأنزل الله تعالى على
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٧١٧٧).
(٢) في المخطوط : (كرم بن السائب) ، والصحيح كما أثبتناه. ترجم له ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة : الرقم (٧٣٩٤). وابن عبد البر في الاستيعاب : الرقم (٢٢٠٨) وذكره (كردم بن أبي السنابل الأنصاري). واختلفوا باسمه وصحبته ، والغالب أنه ممن لحق بالصحبة صغيرا ، وتابع الصحابة وأخذ عنهم ، والله أعلم.