قوله تعالى : (وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً) (٢٢) ؛ أي مكرا عظيما ، والكبير والكبّار بمعنى واحد ، ومكرهم الكبير إعظام القربة على الله تعالى ، وتوصية بعضهم بقولهم : (وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ ؛) أي لا تدعوا عبادة أصنامكم. وقيل : مكرهم الكبير : أنّهم جرّوا سفلتهم على قتل نوح عليهالسلام ، قرأ ابن محيصن وعيسى (كبارا) بالتخفيف (١).
قوله تعالى : (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) (٢٣) ، أي لا تدعنّ عبادة أصنامكم ، ولا تدعنّ عبادة ودّا ولا سواعا ويغوث ويعوق ونسرا ، هذه خمسة أصنام لهم كانوا يعبدونها ويقدّمونها على غيرها.
فلما جاء الغرق اندفنت تلك الأصنام ، وكانت مدفونة إلى أن أخرجها الشيطان لمشركي العرب ، فوقع كلّ صنم منها في أيدي قوم ، فاتّخذت قضاعة ودّا يعبدونها بدومة الجندل ، ثم توارثوها إلى أن جاء الإسلام ، وهي عندهم. وكان سواع لهذيل ، وكان يغوث لبني غطيف من مراد ، وكان يعوق لكهلان ، ونسر لخثعم (٢) ، وأما اللّات لثقيف ، والعزّى لسليم وغطفان وجشم وسعد ونضر بن بكر. ومناة لقديد ، وأساف ونائلة وهبل لأهل مكّة ، فكان أساف حيال الحجر الأسود ، ونائلة حيال الرّكن اليمانيّ ، وهبل في جوف الكعبة ، ثمانية عشر ذراعا. قال الواقديّ : (كان ودّ على صورة فرس ، ونسر على صورة نسر من الطّير). قرأ نافع (ودّا) بضمّ الواو ، وقرأ الباقون بفتحها وهما لغتان.
__________________
ـ (وولده) بفتح الواو ، والباقون (ولده) بضم الواو وسكون اللام ، وهي لغة فيا لولد) والمراد : أن إفراده وجمعه بلفظ واحد. فهذا قصده والله أعلم.
(١) في المخطوط : (ابن حصين). وينظر : الجامع لأحكام القرآن : ج ١٨ ص ٣٠٧ ؛ قال القرطبي :
(وقرأ ابن محيصن وحميد ومجاهد (كبارا) بالتخفيف).
(٢) في المخطوط : (لجيعم).