كِتابِيَهْ) وهو عامّ في كلّ كافر ، يتمنّى الكافر يومئذ أنّه لم يعط كتابه ولم يعلم ما حسابه تحسّرا على ما كان منه من الكفر والقبائح.
والهاء في (كتابيه) و (حسابيه) هاء الوقف والاستراحة ، ولهذا يوقف عليها كما في قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ)(١).
قوله تعالى : (يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) (٢٧) ؛ معناه : يا ليت الموتة الأولى كانت ماضية على الدوام ، قال الحسن : (يتمنّون الموت حينئذ ويحبّونه ، وكان من أكره الأشياء إليهم في الدّنيا). ويقال : إن الهاء في قوله (يا ليتها) كناية عن الصّيحة التي أخرجته من القبر ، يقول : يا ليتها قضت عليّ فاستريح.
قوله تعالى : (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ) (٢٨) ؛ يعني لم ينفعني كثرة مالي الذي جمعته في الدنيا لأوقات الشدائد والكرب لا يمكنني أن أفتدي بشيء منه ، ولم أعمل منه شيئا لهذا اليوم ، بل فرّقته فيما لا يحلّ وخلّفته للوارث ولم يدفع عنّي من عذاب الله شيئا.
قوله تعالى : (هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) (٢٩) ؛ أي ضلّت عني حجّتي حين شهدت عليّ جوارحي بالشّرك وبجميع ما عملت في الدنيا. وقيل : معنى السّلطان العزّ والأمر والنهي بطل منه كلّ ذلك ، وضالا أسيرا لا يقدر على دفع العذاب عن نفسه.
يقول الله : (خُذُوهُ ؛) أي يقول الله تعالى للزّبانية الموكّلين بتعذيبه : خذوه ؛ (فَغُلُّوهُ) (٣٠) ؛ فيثبون عليه فيأخذونه ويجعلون الغلّ في عنقه.
يروي : [أنّه يثب عليه من جهنّم ألف ملك من الزّبانية ، فيأخذونه فينقطع في أيديهم ، فلا يرى منه في أيديهم إلّا الودك (٢) ثمّ يعاد خلقا جديدا ، فيجعلون الغلّ في عنقه ، ويجمعون أطرافه إلى الغلّ الّذي يجعلونه في عنقه ، ثمّ يقذفونه في الجحيم حتّى يتوقّد في النّار](٣) فذلك قوله تعالى : (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) (٣١) ؛ أي أدخلوه وألزموه الجحيم.
__________________
(١) القارعة / ١٠.
(٢) الودك : دسم اللحم. مختار الصحاح : (ودك) : ص ٧١٥.
(٣) ذكره أيضا الثعلبي في الكشف والبيان : ج ١٠ ص ٣١ من غير إسناد.