عليهالسلام ، والمعنى : لا تضجر فيما يلحقك من الأذيّة من جهلهم (١) كما ضجر صاحب الحوت ، فخرج من بين ظهرانيهم قبل أن يأذن الله له حتى التقمه الحوت ، (إِذْ نادى) ، فنادى وهو في بطن الحوت : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).
قوله تعالى : (وَهُوَ مَكْظُومٌ) (٤٨) ؛ أي مملوء غمّا ، (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ ؛) بقبول توبته ، (لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) (٤٩) ؛ أي لألقي من بطن الحوت على وجه الأرض ، وقيل : معناه : لنبذ بالضّجر وهو ملوم مذموم ، ولكن قبل الله توبته ، فنبذ وهو غير مذموم. قوله تعالى : (فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٥٠) ؛ أي اختار يونس لنبوّته وللإسلام ، فجعله من الصّالحين بقبول توبته ، فردّ إليه الوعي وشفّعه في قومه.
قوله تعالى : (وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ ؛) اختلفوا في ذلك ، قال بعضهم : كان عادة العرب أنّهم إذا حسدوا إنسانا تجوّعوا ثلاثة أيّام ، ثم خرجوا عليه فقالوا له : ما أحسنك ؛ ما أجملك ؛ ما كذا وكذا ليصيبوه بأعينهم ، فتواطؤا على أن يفعلوا ذلك بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فدفع الله عنه كيدهم وشرّهم. وقيل : إن العين كان في بني إسرائيل أشدّ ، حتى أنّ الناقة السمينة والبقرة السّمينة كانت تمرّ بأحدهم ، فيعاينوها ثم يقول : يا جارية خذي الزّنبيل والدرهم واذهبي ائتنا بلحم من هذه ، فما يبرح أن تنحر من ساعتها.
قال الكلبيّ : (كان رجل من العرب يمكث لا يأكل يومين أو ثلاثة ، ثمّ يرفع جانب خبائه فتمرّ به الإبل ، فيقول فيها ما يعجبه ، فما تذهب إلّا قريبا حتّى تسقط لوقتها ، فسأل الكفّار هذا الرّجل أن يصيب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعينه ويفعل به مثل ذلك ، فأجابهم إلى ذلك (٢) ، فعصم الله تعالى نبيّه وحفظه عنهم ، وأنزل هذه الآية).
__________________
(١) في الأصل المخطوط : (جهنم) وهو غير مناسب.
(٢) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٨ ص ٢٥٥ ؛ قال القرطبي : (فلما مر النبي صلىاللهعليهوسلم أنشد :
قد كان قومك يحسبونك سيّدا |
|
وإخال أنّك سيّد معيون) |