قوله تعالى : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ ؛) معناه : أأمنتم يا أهل مكّة من في السّماء سلطانه وقدرته وملكه أن يغيّبكم في الأرض جزاء على قبح أفعالكم. وقيل : معناه : أأمنتم عقوبة من في السّماء وعذاب من في السّماء. وقيل : معناه : من جرت عادته أن ينزل نقمته من السّماء على من يكفر به ويعصيه.
وقيل : أأمنتم من في السّماء ، وهو الملك الموكّل بالعذاب ، يعني جبريل أن يخسف بكم الأرض بأمر الله تعالى ، (فَإِذا هِيَ تَمُورُ) (١٦) ؛ أي تضطرب وتتحرّك ، والمعنى : أنّ الله تعالى يحرّك الأرض عند الخسف بهم حتى تضطرب ، وتتحرك فتعلو بهم وهم يخسفون فيها ، والأرض تمور فوقهم فتقلبهم الى أسفل. والمور : التردّد في الذهاب والمجيء ؛ لأنه إذا خسف بقوم دارت الأرض فتدور بهم كما يدور الماء بمن يغرقه.
قوله تعالى : (أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ؛) كما أرسل على قوم لوط ، والحاصب : الرّيح التي ترمي بالحصباء لا دافع لها (فَسَتَعْلَمُونَ ؛) في الآخرة ، (كَيْفَ نَذِيرِ) (١٧) ؛ أي إنذاري إذا عاينتم العذاب ، (وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) (١٨) ؛ معناه : ولقد كذب الذين من قبل أهل مكة من كفّار الأمم الماضية ، فكيف كان الإنكار عليهم بالعذاب.
قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ ؛) معناه : أولم يروا إلى الطير صافّات فوق رؤوسهم بانبساط أجنحتها تارة وقابضاتها أخرى ، معناه : صافّات أجنحتها ، (وَيَقْبِضْنَ ؛) أجنحتها بعد البسط ، وهذا معنى الطّير ؛ وهو بسط الجناح وقبضه بعد البسط.
قوله تعالى : (ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ ؛) أي ما يمسكهنّ ويحفظهنّ في الهواء في الحالين ؛ في حال البسط والقبض إلّا الرحمن. وهذا أكبر آية دالّة على قدرة الله تعالى إذ أمسكها في الهواء على ثقلها وضخم أبدانها ، فمن قدر على إمساك الطير في الهواء قدر على إرسال الحاصب من السّماء. قوله تعالى : (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) (١٩) ؛ أي عالم ، كما يقال : فلان بصير بالنّحو وبالقرآن ؛ أي عالم به.