وقيل : معناه : وأظهرهم على أعدائهم وقوّاهم من ضعفهم ، قال ابن عبّاس رضي الله عنه : (الّذين كفروا صدّوا عن سبيل الله أهل مكّة ، والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات للأنصار) (١).
قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ ؛) أي ذلك الإضلال والإصلاح باتّباع الذين كفروا الشّرك ، (وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ) ، واتّباع المؤمنين التوحيد والقرآن ، فالشّرك هو الباطل ، والتوحيد هو الحقّ والقرآن. قوله تعالى : (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) (٣) ؛ معنى أنّ من كان كافرا أضلّ الله عمله ، ومن كان مؤمنا كفّر الله سيّئاته وأصلح باله.
وقوله تعالى : (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ ؛) أي إذا لقيتموهم في القتال فاضربوا رقابهم ؛ أي اقتلوهم ، والمعنى : فاضربوا الرقاب ضربا ، وهذا مصدر أقيم مقام الأمر ، كما في قوله (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)(٢) ، وقيل : انتصب قوله (فضرب) على الإغراء.
قوله تعالى : (حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ ؛) أي حتى إذا أكثرتم القتل فيهم وغلبتموهم وبالغتم في قتلهم فاستوثقوهم بالأسر ، ولا يكون الأسر إلّا بعد المبالغة في القتل ، كما قال الله (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ)(٣) ، والمعنى حتى إذا قهرتموهم وغلبتموهم وصاروا أسارى في أيديكم فشدّوا وثاقهم كيلا يهربوا ، يقال : أوثقه أي إيثاقا ووثاقا إذا شدّ أسره لئلّا يفلت.
قوله تعالى : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ؛) معناه : فإما أن تمنّوا عليهم بعد أن تأسروهم وتطلقوهم بغير فداء ، وإما تطلقوهم يفدون
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٤٢٤٥). وفي الدر المنثور : ج ٧ ص ٤٥٧ ؛ قال السيوطي : (أخرجه الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه ، وابن مردويه). وأخرجه الحاكم في المستدرك : كتاب التفسير : الحديث (٣٧٥٥) ، قال : (وهذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
(٢) البقرة / ٩٢.
(٣) الأنفال / ٦٧.