قوله تعالى : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي هو الرزّاق لهؤلاء المهاجرين لا هو ؛ لأنّ خزائن السّموات والأرض المطر والنبات ، وهما لله فلا يقدر أحد أن يعطي شيئا إلّا بإذنه ولا يمنعه شيئا وبمشيئته (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.
وقال الجنيد : (خزائن السّموات الغيب ، وخزائن الأرض القلوب ، وهو علّام الغيوب مقلّب القلوب). وقال رجل لحاتم الأصم : (من أين تأكل؟ فقال : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)) (١).
قوله تعالى : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ) يعني من هذه الغزوة وهي غزوة بني المصطلق حيّ من هذيل ، (لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) قد ذكرنا قائل هذه المقالة وهو عبد الله بن أبي.
قيل : إنّ إبنه عبد الله قال له : أنت والله الأذلّ ورسول الله صلىاللهعليهوسلم الأعزّ (٢). وكان عبد الله بن أبي يعني بالأعزّ نفسه ، فردّ الله عليه فقال : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ؛) فعزّة الله تعالى بقهره لخلقه ، ولرسوله بإظهار دينه على الأديان كلّها ، وعزّة المؤمنين نصره إيّاهم على أعدائهم فهم ظاهرون. وقوله تعالى : (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٨) ؛ ولو علموا ما قالوا هذه المقالة.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ ؛) أي لا تشغلكم أموالكم ولا أولادكم ذكر عن الله ، يعني الصّلاة المفروضة ، والمعنى : لا تشغلكم كثرة أموالكم وحفظها وتنميتها ، ولا تربية الأولاد وإصلاح حالهم عن طاعة الله وعن الصّلاة.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٩) ؛ أي ومن ينشغل بالمال والأولاد عن طاعة الله فأولئك هم المغبونون لذهاب الدّنيا والآخرة عنهم ، وهلاك أنفسهم التي هي رأس مالهم.
__________________
(١) ذكرهما القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٨ ص ١٢٨.
(٢) في الدر المنثور : ج ٨ ص ١٧٧ ـ ١٧٨ ؛ قال السيوطي : (أخرجه الطبري عن أسامة بن زيد رضي الله عنه) وذكره.