قوله تعالى : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) (٦٢) ؛ معناه : وله جنّتان سوى الجنّتين الأوليين ، وهما دون الأوليين. قال بعضهم : أراد بالجنّتين الأولين جنّتين في العلوّ ، وأراد بهذين جنّتين في السّفل ، قال صلىاللهعليهوسلم : [هما جنّتان من فضّة آنيتهما وما فيهما من فضّة](١). وقيل : معناه : (وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) أي أقرب إلى قصره ومجالسه من الجنّتين الأوليين ، (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٦٣).
قوله تعالى : (مُدْهامَّتانِ) (٦٤) ؛ أي خضراوان تضرب خضرتهما من الرّائي إلى السّواد ، وذلك أحسن ما يكون في الخضرة أولاهم الأسود ، يقال : ادهامّ الزرع إذا علاه السّواد ريا. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٦٥).
قوله تعالى : (فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) (٦٦) ؛ أي فوّارتان بالماء من الامتلاء ، تنضخ على أولياء الله بالمسك والعنبر والكافور والخير والبركة ، بخلاف العينين للأوليين ، والنضخ أكثر من النضح (٢) ، (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٦٧).
قوله تعالى : (فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) (٦٨) ؛ أي فيهما ألوان الفاكهة. قوله تعالى : (وَرُمَّانٌ) يستدلّ لأبي حنيفة أنّ النخل والرّمان ليسا من الفاكهة ؛ لأن الشيء لا يعطف على نفسه ، وعند أبي يوسف ومحمّد هما من الفاكهة ، وإنّ عطفهما على الفاكهة لزيادة معنى فيهما لا يوجد في سائر الفواكه ، كما في قوله تعالى (مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ)(٣). وروي : أنّ نخيل الجنة : عروقها من فضّة ، وجذوعها ذهب ، وسقفها حلل ، وثمرها أحلى من العسل وألين من الزّبد ، ليس له عجم (٤). (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٦٩).
__________________
(١) رواه البخاري في الصحيح : كتاب التفسير : باب من دونهما جنتان : الحديث (٤٨٧٨). ومسلم في الصحيح : كتاب الإيمان : الحديث (٢٩٦ / ١٨١٠).
(٢) النضح بالمهملة : الرشّ والرسح ، وبالمعجمة : فوران الماء.
(٣) البقرة / ٩٨.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٥٦٧٦) عن سعيد بن جبير ، وذكره.