والأرض : أطرافهما ونواحيهما. وقيل في معنى هذه الآية : يأمر الله تعالى الملائكة يوم القيامة أن تحفّ بأقطار السموات والأرض ، ثم يقال للجنّ والإنس : إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السّموات والأرض هربا من الحساب والعقاب فاهربوا. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣٤).
قوله تعالى : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ ؛) أي يرسل على من استحقّ منكما بمعاصيه لهب من النار ، والشّواظ : اللهب الذي لا دخان فيه. وقرأ ابن كثير (شواظ) بكسر الشين وهي لغة أهل مكة ، قال حسان يهجو أميّة بن أبي الصّلت :
هجوتك فاختضعت لها بذلّ |
|
بقافية تأجّج كالشّواظ |
قوله تعالى : (وَنُحاسٌ) ؛ قرأ ابن كثير وأبو عمرو : (ونحاس) بالخفض عطفا على النار ، وقرأ الباقون بالرفع عطفا على الشّواظ. واختلفوا في معنى النّحاس (١) ، قال ابن عبّاس : (هو الدّخان) (٢) وأكثر القراءة فيه بالرفع عطفا على (شواظ) ، والمعنى : يرسل عليكما شواظ ، ويرسل نحاس ؛ أي يرسل هذا مرّة وهذا مرّة ، ويجوز أن يرسلا معا من غير أن يمتزج أحدهما بالآخر. وقيل : النحاس هو الصّفر المذاب يصبّ على رؤوسهم ، وقال مقاتل : (هي خمسة أنهار من صفر مذاب تجري على رؤوس أهل النّار) (٣) ، قوله تعالى : (فَلا تَنْتَصِرانِ) (٣٥) ؛ أي فلا تمتنعان عن ما يراد بكما.
قوله تعالى : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٣٦) ؛ وجه إنعام الله تعالى علينا في إنزال آيات الوعيد : أنه تعالى لمّا حذرنا من العذاب بأبلغ أسباب التحذير حتى نتّقي المعاصي خوفا من عذابه ، ونرغب في الطاعات طمعا في ثوابه ، كان ذلك نعمة منه علينا فلذلك قال تعالى (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ).
__________________
(١) ينظر : إعراب القرآن للنحاس : ج ٤ ص ٢٠٩. والحجة للقراء السبعة : ج ٤ ص ١٦.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٥٥٧٥).
(٣) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٣٠٦.