خلق لفؤاده بصرا حتّى رأى ربّه رؤية غير كاذبة كما يرى بالعين) (١). وقال عكرمة : (إنّه رأى ربّه بعينه!) وكان يحلف بالله لقد رأى محمّد ربّه.
ومذهب ابن مسعود وعائشة في هذه الآية : (أنّه رأى جبريل في صورته الّتي خلق عليها). والفؤاد دعاء القلب ، فما ارتياب الفؤاد فيما رأى الأصل وهو القلب.
قوله تعالى : (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) (١٢) ؛ من آيات الله ، قرأ عليّ وابن مسعود وابن عبّاس وعائشة ومسروق والنخعيّ وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب : (أفتمرونه) بفتح التاء من غير ألف على معنى أفتجحدونه ، تقول العرب : مريت الرّجل حقّه إذا جحدته.
وقرأ سعيد بن جبير وطلحة وابن مصرف (أفتمرونه) بضمّ التاء من غير ألف ؛ أي تشكّكونه. وقرأ الباقون (أفتمارونه) أي أفتجادلونه. وفي الحديث : [لا تماروا في القرآن ، فإنّ المراء فيه كفر](٢).
وعن الشعبيّ عن عبد الله بن الحارث قال : (اجتمع ابن عبّاس وكعب ، فقال ابن عبّاس : أمّا نحن بنو هاشم فتقول : إنّ محمّدا رأى ربّه عزوجل مرّتين ، وقال ابن عبّاس : أتعجبون أن تكون الخلّة لإبراهيم والكلام لموسى والرّؤية لمحمّد صلىاللهعليهوسلم).
وقال الشعبيّ : (فأخبرني مسروق أنّه قال لعائشة : يا أمّاه ؛ هل رأى محمّد ربّه عزوجل قط؟ قالت : إنّك لتقول قولا ليقف منه شعري ، قال : قلت : رويدا فقرأ عليها (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى ...) إلى قوله (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى). فقالت : أين يذهب بك! إنّما رأى جبريل في صورته ، من حدّثك أنّ محمّدا رأى ربّه فقد كذب ، قال الله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ)(٣).
__________________
(١) هذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما ؛ أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٥١٣٠) مطولا.
(٢) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ٥ ص ١٥٢ : الحديث (٤٩١٦). وفي مجمع الزوائد : ج ١ ص ١٥٧ ؛ قال الهيثمي : (رجاله موثوقون).
(٣) الانعام / ١٠٣.