كلّه بكلكله ، له ستّمائة جناح فيها ألوان زاهرة ، وتتنافر منه الدّرر](١). وذلك قوله تعالى : (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) (٧) ؛ يعني جانب المشرق وهو فوق جانب المغرب. قوله تعالى : (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) (٨) ؛ أي دنا جبريل عليهالسلام بعد استوائه بالأفق الأعلى ، (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) (٩) ، قال المفسّرون : وذلك أنّ جبريل كان يأتي النبيّ صلىاللهعليهوسلم في صورة الآدميّين ، فسأله النبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يريه نفسه على صورته التي خلق عليها ، فأراه نفسه مرّتين ، مرّة في الأرض ومرة في السّماء.
فأمّا في الأرض ففي الأفق الأعلى ، يعني أفق المشرق ، وذلك أنّ محمّدا صلىاللهعليهوسلم كان بحراء فطلع له جبريل من المشرق فسدّ الأفق إلى المغرب ، فخرّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم مغشيّا عليه ، فنزل جبريل عليهالسلام في صورة الآدميّين وضمّه إلى نفسه ، وهو قوله (ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) أي قرب بعد بعده وعلوّه في الأفق الأعلى.
والمعنى : نزل جبريل عليهالسلام بعد استوائه ، فدنا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتدلّى اليه بأن نكّس رأسه فرآه النبيّ صلىاللهعليهوسلم متدلّيا كما رآه منتصبا حتى بينه وبين النبيّ صلىاللهعليهوسلم قدر قاب قوسين من قسيّ العرب أو أدنى ، معناه : وأقرب في رأي العين.
قال الزجّاج : (كان بينه وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم مقدار قوسين ، وإنّما خصّ القوس في الآية ؛ لأنّ مقدارها في الأغلب لا يتفاوت بزيادة ولا نقصان). ويقال : إنّ المراد بالقوس هنا الذراع ، وسمي الذراع قوسا لأنه تقاس به الأشياء ، قال ابن مسعود : (معناه : فكان قدر ذراعين أو أدنى من ذراعين) (٢).
وأما دخول (أو) ههنا في قوله : (أو أدنى) معناه : أو أدنى فيما تقدّرون أنتم والله تعالى عالم بمقادير الأشياء ، ولكنّه يخاطبنا على ما جرت به عادة المخاطبة فيما
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (٢٥١٣٣). وفي الدر المنثور : ج ٧ ص ٦٤٤ ؛ قال السيوطي : (أخرجه الإمام أحمد وعبد بن حميد وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي عن ابن مسعود) وذكره.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٥١١٥).