بني أميَّة بعد قتله عليهالسلام على آل الرسول صلىاللهعليهوآله ، والصبية الصغار من ذرِّية فاطمة البتول أثَّرت في نفوس عامة البشر ، فضلاً عن المسلمين ما لم يؤثر فيها القتل ، فكان ذلك أصدق شاهد على بعض بني اُميَّة لبني هاشم من آل محمّد صلىاللهعليهوآله.
إنَّ المتأمِّل بعين البصيرة فيما صدر منه عليهالسلام في واقعة الطف من آواها إلى آخرها يعلم بأنه لم يترك في ذلك سياسةً لها أدنى ماخلية في إنجاز مرامه ، هذا منتهى السياسة وقوة القلب ، وبذل النفس في سبيل نيل المرام.
انظر إلى ما فعله عليهالسلام في آخر لمحة من حياته فحيَّر فيها عقول الفلاسفة ؛ إذ عرض طفله على الأعداء قائلاً لهم : «خذوه واسقوه قطرة من الماء ، وردُّوه إليّ ، فوجَّهوا إليه سهماً فذبحه في حجر أبيه» (١).
كيف لم تفته هذه النكتة في تلك الآونة مع تلك المصائب الواردة عليه ، وتشتُّت الأفكار المتراكمة والعطش الشديد ، والجراحات المجهزة التي لا تُعَدُّ ولا تحصى ، ولم يغفل عليهالسلام عن السعي في حصول الغرض وتهيئة المعدّات له. وأعظم نفع حصل له عليهالسلام لهذه النكتة : أنَّ العالم الإسلامي بأجمعه بعد الوقوف عليها علم علماً لا يشوبه شكّ ، أنَّ الأعمال الوحشية التي ارتكبوها في ذلك اليوم ما كانت من باب الدفاع ، بل إنَّما هي لصرف العداوة ، ومحض البغضاء.
__________________
(١) مقتل عبد الله الرضيع عليهالسلام كما في ينابيع المودة ج ٣ ص ٧ : «قالت أم كلثوم : يا أخي إن ولدك عبد الله ما ذاق الماء منذ ثلاثة أيام فاطلب له من القوم شربة تسقيه ، فأخذ، ومضى به إلى القوم وقال : يا قوم لقد قتلتم أصحابي وبني عمي وإخوتي وولدي ، وقد بقي هذا الطفل ، وهو ابن ستة أشهر ، يشتكي من الظمأ فاسقوه شربة من الماء. فبينا هو يخاطبهم إذ أتاه سهم فوقع في نهر الليل فقتله».