تقدّم من الدلائل على توحيد الله قولهم عجب عند العقلاء العارفين حيث قالوا : إذا كنّا ترابا أنبعث وتردّ فينا الروح بعد الموت والبلاء؟! وإنما سمي قولهم (إِذا كُنَّا تُراباً) أعجب ؛ لأن البعث أسهل في القدرة مما بيّن الله لهم ؛ إذ البعث إعادة إلى ما كان ، والإعادة أسهل في طباع الآدميّين من الإنشاء.
قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ) أي تغلّ أيمانهم إلى أعناقهم السلاسل في النار ، ويكون يسارهم وراء ظهورهم وهم مصفدون من قرونهم الى أقدامهم. قوله تعالى : (وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٥).
قوله تعالى : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ ؛) أي يستعجلونك بالعذاب الذي توعدهم به على وجه التكذيب والاستهزاء قبل الثواب الذي تعدهم على الإيمان ، يعني مشركي مكّة سألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يأتيهم العذاب استهزاء منهم بذلك ، فقالوا : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ)(١).
قوله تعالى : (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ ؛) العقوبات من الله في الأمم الماضية ، والمثلة العقوبة في اللغة. قوله تعالى : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ ؛) أي لذو تجاوز على الناس على ظلمهم لأنفسهم ، (وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) (٦) ؛ لمن استحقّه.
قوله تعالى : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ ؛) أي ويقول الذين كفروا بمحمّد صلىاللهعليهوسلم والقرآن : هلّا نزّل عليه آية من ربه لنبوّته ، يعنون الآيات التي كانوا يقترحونها عليه نحو ما ذكر الله تعالى من قولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً)(٢) الى آخر الآيات.
يقول الله تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ؛) أي أنت يا محمّد معلّم بموضع المخافة ، وليس إنزال الآيات إليك ، وإنما هو إلى الله. قوله تعالى : (وَلِكُلِ
__________________
(١) الأنفال / ٣٢.
(٢) الإسراء / ٩٠.