بها أن قال : [أبشري يا عائشة ؛ إنّ الله قد برّأك] فقالت لي أمّي : قومي إليه ، فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلّا الله سبحانه الّذي أنزل براءتي ، فأنزل الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) وهي عشر آيات.
فلمّا أنزل الله براءتي قال أبو بكر رضي الله عنه ـ وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره ـ : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الّذي قال لعائشة ما قال. فأنزل الله تعالى (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) إلى قوله تعالى (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) قال أبو بكر : بلى ؛ والله إنّي أحبّ أن يغفر الله لي. وأعاد إلى مسطح النّفقة وقال : لا أنزعها منه أبدا (١).
ثمّ إنّ الخبر بلغ إلى صفوان ؛ فقال : سبحان الله! والله ما كشفت كنف أنثى. فقتل شهيدا في سبيل الله ، وزاد في آخره : قالت : وقعد صفوان بن المعطّل لحسّان ابن ثابت فضربه بالسّيف ، وقال حين ضربه :
تلقّ ذباب السّيف عنّي فإنّني |
|
غلام إذا هوجيت لست بشاعر |
ولكنّني أحمي حماي وأنتقم |
|
من الباهت الرّامي البراء الطّواهر |
فصاح حسّان واستغاث بالنّاس على صفوان ، وجاء حسّان إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يستغيث به على صفوان في ضربه إيّاه ، فسأله النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يهب له ضربة صفوان إيّاه ، فوهبها للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم فعوّضه عليها حائطا من نخل عظيم وجارية روميّة. ثمّ باع حسّان ذلك الحائط من معاوية في ولايته بمال عظيم ، وقال حسّان بن ثابت في براءة عائشة :
حصان رزان ما تزنّ بريبة |
|
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل |
خليّة خير النّاس دينا ومنصبا |
|
نبيّ الهدى والمكرمات الفواضل |
عقيلة حيّ من لؤيّ بن غالب |
|
كرام المساعي مجدها غير زائل |
مهذبة قد طيّب الله خيمها (٢) |
|
وطهّرها من كلّ شين وباطل |
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (١٩٥٦٤ ـ ١٩٥٦٦).
(٢) الخيم ـ بالكسر ـ : الشّيمة والطبيعة والخلق والأصل.