قوله تعالى : (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) (٦٨) ؛ معناه : أم جاءهم أمر بديع لم يأت آباءهم ؛ أي ألم يعلموا أن الرّسل قد أرسلوا إلى من قبلهم؟ والمعنى : أجاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين فأنكروه وأعرضوا عنه. ويحتمل أن يكون معناه : بل جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين فأنكروه وتركوا التدبر له (١). لأن (أَمْ) بمعنى : (بل).
قوله تعالى : (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ ؛) بالصّدق والأمانة قبل إظهار الدّعوة؟ (فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (٦٩). قال ابن عبّاس : (كانوا يعرفون محمّدا صلىاللهعليهوسلم صغيرا وكبيرا صادق اللّسان وفيّ العهد) وفي هذا توبيخ لهم بالإعراض عنه بعد ما عرفوا صدقه وأمانته.
قوله تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ ؛) أي قالوا : إنّ محمّدا مجنون ليصدّوا الوجوه ويصرفوها عنه ، وقد كذبوا في ذلك ، فإن المجنون يهذي ويقول ما لا يفعل ، (بَلْ جاءَهُمْ ؛) النبيّ صلىاللهعليهوسلم (بِالْحَقِّ ؛) أي بالقرآن الذي لا تخفى صحّته وحسنه على أحد ، (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) (٧٠).
قوله تعالى : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ ،) قال مقاتل والسدي : (الحقّ هو الله) والمعنى : لو جعل مع نفسه شريكا كما تحبّون ، (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ؛) كقوله (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا)(٢). وقيل : معناه : لو وضع الحقّ على أهوائهم لهلك أهل السّموات والأرض ؛ لأنّ الحقّ يدعو إلى المحاسن ، والهوى يدعو إلى القبائح ، ولو جعل الهوى متبوعا لبقيت الأمور على الظّلم والجهالات ، فتخلط الأمور أقبح الاختلاط ، ولم يوثق بالوعد والوعيد ، فأدّى ذلك إلى الفساد ؛ لأن الهوى هو ميل النفس إلى المشتهى من غير داعي الهوى.
__________________
(١) سقطت من المخطوط مع تصحيف كلمة (تركوا) ، وتمامه ضبط كما في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٢ ص ١٣٩.
(٢) الأنبياء / ٢٢.