قوله تعالى : (ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ) (٤٢) ؛ أي ثم خلقنا بعد هلاك قوم هود أهل أعصار آخرين فسكنوا ديارهم إلى أن هلكوا ، (ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَما يَسْتَأْخِرُونَ) (٤٣) ؛ أي لا تموت أمة قبل أجلها ولا يتأخر موعدهم عنه ، وقوله تعالى : (مِنْ أُمَّةٍ) من ها هنا صلة.
قوله تعالى : (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا ؛) أي بعضها في إثر بعض مترادفين ، (كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً ؛) أي قوما ، (رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً ؛) في الهلاك والتعذيب ، (وَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ ؛) لمن بعدهم من الناس يتحدّثون بأمرهم وشأنهم ويتمثّل بهم في السرّ. (فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) (٤٤).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو : (تترا) بالتنوين ، وقرأ الباقون بغير تنوين مثل سكرى وشكوى ، فمن نوّن كان الألف فيه كالألف في أنت زيدا أو عمرا ، فإذا وقفت كان ألفا ، يعني توقف عليه بالألف ، ومن لم ينوّن كتبها بالياء (١).
قوله تعالى : (ثُمَّ أَرْسَلْنا مُوسى وَأَخاهُ هارُونَ بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) (٤٥) ظاهر المعنى. قوله تعالى : (إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَاسْتَكْبَرُوا ؛) أي تكبّروا عن الإيمان بالله وعبادته ، (وَكانُوا قَوْماً عالِينَ) (٤٦) ، أي وكانوا قوما قاهرين للناس بالبغي والتّطاول عليهم كما قال الله تعالى : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ)(٢) ، وقال مقاتل : (معنى قوله (عالِينَ) أي متكبرين عن توحيد الله) (٣).
قوله تعالى : (فَقالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا ؛) أي ليس لهم فضل علينا ، (وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) (٤٧) ؛ يعني بني إسرائيل لنا مطيعون ، (فَكَذَّبُوهُما فَكانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ) (٤٨) ؛ بتكذيبهما. قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ ؛) يعني التوراة ، (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) (٤٩) ؛ لكي يهتدوا به من الضّلالة.
__________________
(١) ينظر : الحجة للقراء السبعة : ج ٣ ص ١٨٢.
(٢) القصص / ٤.
(٣) تفسير مقاتل : ج ٢ ص ٣٩٧.