تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) (٣٣) ؛ أي يأكل من الطعام الذي تأكلون منه ؛ ويشرب من الذي تشربون ، فليس هو بأولى بالرّسالة منكم.
قوله تعالى : (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) (٣٤) ؛ معناه : لئن أطعتم آدميّا بشرا مثلكم إنّكم إذا لمبعوثون ، وهذا القول منهم دليل على غاية جهلهم حيث عبدوا أصناما لا تضرّ ولا تنفع ، ولم يعدّوا ذلك خسرانا ، والأصنام أجسام مثلهم بل دونهم.
ثم عدّوا عبادة الله وطاعته هو خسرانا ، قالوا : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ ؛) أي وصرتم ، (تُراباً وَعِظاماً ؛) بالية ؛ (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) (٣٥) ؛ أي أن تخرجوا من قبوركم ، (هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ) (٣٦) ، أي بعدا بعدا لما تحاولون من البعث بعد الموت ، وهذه كلمة استنكار واستبعاد ، ويقرأ (هَيْهاتَ) سبع قراءات بالنّصب والكسر والرفع والتنوين وغير التنوين والسّكون (١) ، فمن نصب جعلها مثل (أين وكيف) ، وقيل : لأنّها أداة مثل خمسة عشر وبعلبكّ ، ومن رفع جعله مثل (منذ وقطّ وحيث) ، ومن كسر جعله مثل أمس. قال الشاعر :
تذكّرت أيّاما مضين من الصّبا |
|
وهيهات هيهاتا إليك رجوعها |
وقال آخر :
لقد باعدت أمّ الحمارس دارها |
|
وهيهات من أمّ الحمارس هيهاتا هيهات |
ومعنى (هيهات) بعد الأمر جدا حتى امتنع ، وهو اسم سمي به الفعل ، وهو بعد كما قالوا : صه بمعنى اسكت ، ومه بمعنى لا تفعل ، وليس له اشتقاق وفيه ضمير مرتفع عائد إلى قوله (مُخْرَجُونَ) ، والتقدير (هَيْهاتَ) أي هو الإخراج ، والمعنى : بعد إخراجكم للوعد ؛ أي الذي توعدون. قال أبو عمرو : (إذا وقفت فقل هيهاه بالهاء) وقال الفرّاء : (كان الكسائيّ يختار الوقف عليها بالهاء ، وأنا أختار التّاء لأنّها ليست
__________________
(١) ذكر ست قراءات ولعله جمع بين أنواع التنوين. وفي الجامع لأحكام القرآن : ج ١٨ ص ١٢٢ نقل القرطبي عن الأنباري أنها عشر لغات. والسبع هي : (هَيْهاتَ) و (هيهات) و (هيهات) و (هيهاتا) و (هيهات) و (هيهات) و (هيهات).