فرعها في الأرض ، بل المعرفة في قلب المؤمن أثبت من عروق النخلة ؛ لأن
النخلة تقلع ، ومعرفة العارف لا يقدر أحد من الناس أن يخرجها من قلبه.
وقوله تعالى : (وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) تؤتي أكلها ، فيه تشبيه أعمال المخلصين التي هي فروع
الإيمان في أنّها ترتفع وتعلو إلى جانب السّماء ؛ لأن الأعمال لا تصلح إلا
بالإيمان ، والأصل هو الإيمان ، والفروع هو الأعمال الصالحة. قوله تعالى : (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ ؛) فيه تشبيه ما يحصل من الثواب الدائم الذي لا منزلة أعلى
منه ، وقوله تعالى : (بِإِذْنِ رَبِّها ؛) أي بعلمه وقدرته.
قوله تعالى : (وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ
؛) أي يبيّن الله الأشياء للناس في صفة التوحيد والدين ، (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٢٥) لكي يتّعظوا ويؤمنوا.
قوله تعالى : (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ ؛) يعني كلمة الشّرك ، (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ
؛) يعني شجرة الحنظل ليس فيها حلاوة ولا منفعة ولا رائحة
طيّبة ، بل تضرّ من تناولها ، فكذلك كلمة الكفر تضرّ صاحبها. قوله تعالى : (اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ؛) أي اقتلعت ، معناه : كما أنه ليس لشجرة الحنظل أصل تثبت
عليه وتقرّ ، ولكن تقلع وتؤخذ حبّته من أصله ، فكذلك الكفر يبطله الله ويستأصل
أهله. قوله تعالى : (ما لَها مِنْ قَرارٍ) (٢٦) ؛ فإن الريح تقلعها وتذهب ، كذلك ليس لكلمة الكفر حجّة يحتجّ بها
صاحبها.
قوله تعالى : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا
بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ ؛) أي يثبت الله الذين آمنوا بقول ثابت وهو : لا إله إلّا
الله في الحياة الدّنيا ، وفي الآخرة يعني القبر ، كما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [إنّ المؤمن إذا دخل قبره وأتاه منكر ونكير
وقالا له : من ربّك؟ وما دينك؟ ومن نبيّك؟ فيثبته الله فيقول : الله ربي ؛
والإسلام ديني ؛ ومحمّد نبيّي. فيقولان : صدقت هكذا كنت في الدّنيا ، ثمّ يفتح له
باب إلى النّار ، فيقولان له : هذا كان منزلت لو كفرت بربك ، فإذا آمنت بربك فهذا
منزلك ، ثمّ يفتح له باب إلى الجنّة ويفسح له في قبره.
وإن كان كافرا
أو منافقا فيقولان له : ما تقول لهذا الرّجل؟ فيقول : لا أدري ، سمعت النّاس
يقولون كذا وكذا. فيقولان له : لا دريت ولا اهتديت ، ثمّ يفتح له باب